مقالة

النّسب الوضّاء للسيّدة زينب (ع)

النّسب الوضّاء للسيّدة زينب (ع)

11 Dec |2023

إن الغاية من هذه المقالة هو أن نوصل القارئ إلى جملة من الأهداف: أولا: هـو الوقـوف على كل شـبهة وردت حـول ذلـك النسـب الطاهـر، كشـبهة الأصـلاب الطاهـرة والأرحـام المطهـرة؛ فلا يمكـن أن يـودع المعصوم -والعيـاذ بالله- فـي صلـب غيـر طاهـر أو ليـس بموحّـد أو أنّه يبقـى فـي رحـم غيـر مطهـر، وذلـك مـن خـلال التحليـل والإيضـاح ودعمهمـا بالأدلـة الدامغـة مـن الروايـات الشـريفة. ثانيــا ً : ذكــر نســب نبينــا محمــدا َّ خاتــم الرســل والــذي ضــم لــه الله تعالــى كل الشـرائع السـماوية تحـت لـواء دينـه مكرمـة لـه، فذكـر الآبـاء والأجـداد فـي بحثنـا هـذا لكـي يتنـو ً ر القـارئ ويـزداد علمـا بالأحـداث. ثالثــا َّ : هــو كشــف زيــف الوضاعيــن للأحاديــث الشــريفة حــول بعــض الشــخصيات التــي تنتســب لذلــك النســب الطاهــر، ولشــخصية عقيلــة الوحــي الطاهــر، أمثــال محمــد بــن الحنفيــة وعمهــا عقيــل بــن أبــي طالــب. رابعـا: الإسـتفادة مـن الخصوصيـات التـي امتـازت بهـا السـيدة زينـب بنـت علي كعلمهــا وصبرهــا وجهادهــا فــي مقارعــة الظالميــن.

المقدمة
      حينمـا نسـتعرض التاريـخ نجـد القليل من البشـر الذين خلد التاريـخ ذكراهم،َّ وعندمــا نتعمــق فــي دراســة أولئــك الأشــخاص نجــد أن خلودهــم اســتمد وجــوده مــن مآثرهــم الخالــدة، والآثــار التــي أحدثوهــا فــي الوجــود، وانطبــاع عظمتهــم فــي أذهـان النـاس، وحينمـا ناحـظ سـيرة السـيدة زينـب علـى الرغـم مـن التعتيـم الإعلامي نجــد أن ذكراهــا الخالــدة جــاءت مــن عظمــة المواقــف التــي وقفتهــا؛ حيـث لـم تقـف امـرأة منكوبـة مثلها بحكـم العاطفة التـي تكتنف المـرأة بطبيعتها، فهـي امـرأة ضربـت المثـل الأعلـى فـي الصبـر والج َلـد والجهـاد والتضحيـة والتفانـي مـن أجـل الأهـداف العليـا، فهـي العالمـة العارفـة والمعلمـة المحدثـة التـي كانـت تعلـم النسـاء، ويـروي عنهـا الرجـال، ونراهـا الثائـرة المجاهـدة حيـث غـادرت بيتهـا العائلي الهـاديء والتحقـت بقافلـة الثـورة، وارتحلـت مـن المدينـة إلـى مكـة ومنهـا إلـى كربـلاء، ثـم إلـى الكوفـة والشـام، ونراهـا الحاضـرة الشـاهدة فـي جميـع أحـداث النهضـة الحسـينية، تحـاور أخاهـا الإمـام وتحـرض أصحابه الأبطال، وتهرول إلى ســاحة المعركــة وتصــرخ فــي وجــوه العســكر وتقــود قافلــة العائلــة، ونراهــا الخطيبــة المفوهــه ترتجــل الخطــاب أمــام جماهيــر الكوفــة فــي مجلــس ابــن زيــاد ومجلــس يزيـد حيـث رجـالات الحكـم والجمـع الحاشـد مـن الجنـد والأعيـان، هـذه الصـورة الحيـة نراهـا فـي حيـاة السـيدة زينـب، وهـي امـرأة امتـزج نسـبها الرفيـع حيـث تنتسـب إلـى سـيد الأنبيـاء وخاتـم النبيين محمد(ص) وسـيد الأوصيـاء والصديقين الإمـام علـي قائـد الغـر المحجليـن، و إلـى الصديقـة الزكيـة الطاهـرة المرضيـة، و إلـى سـبطي نبـي الرحمـة الحسـن والحسـين، و إلـى سـيد الشـهداء حمـزة وسـيد بطحـاء مكــة والطيــار، فامتــزج ذلــك النســب الرفيــع بعظمــة تربيتهــا الرفيعــة، وأخلاقهــا وجهادهـا وتفانيهـا مـن أجـل إحقـاق الحـق و إزهـاق الباطـل، فهـذا التمـازج جعـل تلـك السـيدة الجليلـة فـي القم ّـة سـموًا ً ورفعـة ُّ حيـث تسـتمد ُّ كل امـرأة مجاهـدة منهـا القـوة وتقتـدي بهـا وتحتـذي بخطاهـا إذا تاقـت إلـى الكرامـة والعفـة والسـمو.

 

النسب الوضّاء
      ليـس فـي دنيـا الإسـام وغيـره نسـب ّ أرفـع ولا أسـمى مـن نسـب السـيدة زينـب، فقـد تفرعـت مـن دوحـة النبـوة والإمامـة، والتقـت بهـا جميـع أواصـر الشـرف والكرامــة، فهــي فــرع زاك مــن رســول الله(ص) ومــن الإمــام علي وهمــا مــن أفضــل مـا خلـق الله مـن بنـي الإنسـان، فتبـارك هـذا النسـب الطاهـر وتعالـت تلـك الأسرة الكريمــة التــي أعــز الله بهــا العــرب والمســلمين وجعلهــا مصــدر الوعــي والإلهــام للمسـلمين علـى امتـداد التأريـخ.
      إنّ الأسرة العلوية هي أسمى أسرة عرفها التأريخ بجهادها ونضالها وتبنيها لحقوق الإنسـان وقضايـا مصيـره ومقاومتهـا للظلـم والطغيـان، فليـس فـي أمم العالم وشعوب الأرض مثـل أسـرة العلوييـن فـي دفاعهـم عـن حقـوق المظلوميـن والمضطهديـن، وقـد استشـهد المئـات منهـم مـن أجـل حريـة الإنسـان وكرامتـه، وعلـى أيّ حـال فهذه لمحة موجـزة عـن الأصـول الكريمـة التـي تفرّعـت منهـا سـيدة النسـاء زينب (ع).
15
الأصلاب الطاهرة
      مــن معتقــدات الشــيعة الإماميــة فــي المعصوميــن أنهــم لــم يتنقلــوا إلا مـن صلـب طاهـر إلـى رحـم مطهّـر، وذلـك مـن أبينـا آدم وأمنـا حـواء حتّى قدمـوا إلـى هـذه الحيـاة الدنيـافـلا يمكـن أن يودع المعصـوم -والعيـاذ بـالله- فـي صلـب غيـر طاهـر أو ليـس بموحد، أو أنّه يبقـى فـي رحـم غيـر مطهـر، وهـذا مـا دلّت عليه الروايات الشريفة:
فعـن معـاذ بـن جبـل أن ّ رسـول الله’ قـال: «إنّ الله عزّ وجـل خلقنـي وعليّـاً وفاطمـة والحسـن والحسـين قبـل أن يخلـق الدنيـا بسـبعة آلاف عـام». قلـت: فأيـن كنتـم يـا رسـول الله؟
قـال: «قـدّام العـرش نسـبّح الله تعالـى ونحمـده ونقدّسـه ونمجـده». قلـت: على أي مثـال؟
قــال: «أشــباح نــور، حتى إذا أراد الله عزّ وجــل أن يخلــق صورنــا صيرنــا عمــود نــور، ثــم قذفنــا فــي صلــب آدم، ثــم أخرجنــا إلــى أصـلاب الآبــاء وأرحــام الأمهات ولا يصيبنــا نجــس الشــرك ولا ســفاح الكفــر، يســعد بنــا قــوم ويشــقى بنــا آخــرون، فلمّا صيّرنـا إلـى صلـب عبـد المطلـب أخـرج ذلـك النـور فشـقه نصفيـن، فجعـل نصفـه فـي عبـد الله ونصفـه فـي أبـي طالـب، ثـم أخـرج النصـف الـذي لـي إلـى آمنـة، والنصـف إلـى فاطمـة بنـت أسـد، فأخرجتنـي آمنـة، وأخرجـت فاطمـة عليـا ثم أعـاد عزّ وجـلّ العمـود إلـي فخرجـت منّي فاطمـة، ثـم ّ أعـاد عز وجـل العمـود إلـى علي فخرج منـه الحسـن والحسـين يعنـي مـن النصفيـن جميعـا، فمـا كان مـن نـور علـي فصـار فـي ولـد الحسـن، ومـا كان مـن نـوري صـار فـي ولـد الحسـين، فهـو ينتقـل فـي الأئمـة مـن ولـده إلـى يـوم القيامة" [1]
ونقـرأ فـي زيـارة رسـول الله: (أشـهد يا رسـول الله أنك كنت نـورا في الأصلاب الشـامخة، والأرحـام المطهـرة، لـم تنجسـك الجاهليـة بأنجاسـها، ولـم تلبسـك مـن مدلهمـات ثيابها)[2]وكذلك في زيارة الإمام الحسين (ع)[3]، إلــى غيــر ذلــك مــن الروايــات والزيــارات الشــريفة التــي تنــصّ علـى أن
المعصوميـن(ع) لا يودعـون إلّا فـي الأصـلاب الطاهـرة والأرحـام المطهـرة، مضافـاً إلــى بعــض الشــواهد التاريخيــة المؤيـّـدة لذلــك.

الجدّ وهو سيّد الكائنات
      وهو رسـول الله محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب «واسـمه شـيبة الحمد، وإنّما سـمي عبدالمطلـب بعـد كفالـة عمـه المطلـب بـن هاشـم لـه، وهو سـيّد مكة والعـرب، وحامـي البيـت الحـرام، جـد رسـول الله الحبيـب الأعظـم سـيدنا محمـد (ص)  بـن هاشـم واسـمه عمـرو، والمعلا، وسـمي هاشـماً؛ لأنـه فـي يـوم مـن الأيـام خـرج إلـى الشـام فـي مجاعـة شـديدة أصابـت قريشـاً، فاشـترى دقيقـا وكعـكا وقدم بـه مكـة المكرمـة فـي الموسـم، فهشـم الخبـز والكعـك، ونحـر جُزُراً، وجعـل ذلـك ثريـداً، وأطعـم النّاس حتـى أشـبعهم، فسـمي هاشـما. و إليـه ينسـب بنـو هاشـم، وهــو الــذي ســن َّ الرحلتيــن فــي الشــتاء والصيــف، ويطلــق عليــه «هاشــم، طعّام حجـاج البيـت، بـن عبـد منـاف «واسـمه المغيـرة، وكان يقـال لـه قمـر البطحـاء، يعنـي مكـة المكرمـة»، لحسـنه وجمالـه، كان أ كـرم النـاس وأجـود زمانـه، بـن قصـي واسـمه زيـد، ولقـب بقصـي لأنه أبعـد عـن أهلـه ووطنـه مـع أمـه بعـد وفـاة أبيـه"،  بـن كلاب كمـا يقـال لـه: «مجمّـع»؛ لأن الله تعالـى جمـع بـه القبائـل مـن قريـش فـي مكـة بعـد تفرقهـا، وكانـت لـه الحجابـة والسـدانة. وهـو الجـد الثالـث لسـيدتنا أم المؤمنيـن خديجـة بنـت خويلـد بـن كلاب «وهـو أبـو زيـد الملـك، واسـمه حكيـم، وقيـل عـروة، ولقـب بـكلاب؛ لأنه كان يكثـر الصيـد بالـكلاب، وبـه يجتمـع سـيد الآبـاء والـد سـيدنا محمـد بأمـه السـيدة العظيمـة الوقـور آمنـة بنـت وهـب بـن عبدمنـاف بـن زهـرة بـن كلاب، بـن مـرة بـن كعـب»، وكان يجمـع قومـه يـوم الرحمة، وهـو يـوم الجمعـة «فيعظهـم ويذكرهـم بمبعـث النبـي (ص)، وينبئهـم بأنّه من ولده، ويأمرهــم بإتباعــه ونصرتــه، بــن لــؤي «يكنــى بأبــي كعــب الملــك » ولــؤي تصغيــر لأي، وهـو الثـور الوحشـي، ولقـب بـه لقوتـه وصبـره، بـن غالـب «يكنـى بأبـي لـؤي، و إليـه ينسـب شـرف العـرب لانتسـابهم لـه، كان حكيمـا ً عفيفـا حصيفـا «بن فهر» اسـمه قريـش وعامـر، ويكنـى بأبـي أسـد العظيـم، و إليـه تنسـب قبيلـة قريـش سـيدة قبائـل العـرب، وهـو مـا حـكاه ثقـات أهـل التاريـخ والنسـب. كان كريمـا يفتش عن ذوي الحاجـات فيحسـن إليهـم، وفهـر اسـم للحجـر علـى مقـدار مـلء الكـف، بـن مالـك، اسـمه خزيمـة، ويكنـى بأبـي عمـرو، اشـتهر بحنكتـه، ولـم يذكـره التاريـخ إلا قليـلا «بـن النضـر»، اسـمه قيـس صاحـب السـلطة، وقـال البعـض اسـمه قريـش وفهـر أصـح عنـد أهـل التاريـخ والله أعلـم، والنضـر فـي اللغـة الذهـب الأحمـر» بـن كنانـة (اشـتهر أبنـاؤه بالفراسـة واقتصـاص الأثـر، ومـن كنانـة اختـص بنـو مدلـج ) بـن خزيمـة بـن مدركـة واسـمه عمـرو بـن إليـاس «كان فـي العـرب مثـل لقمـان الحكيـم فـي قومه»بـن مضـر»، وكان جميلاً لـم يـره أحـد إلا أحبـه، ولـه حكـم مأثـورة. والمضـر فــي اللغــة، الأبيــض «بــن نــزار» كان أجمــل أهــل زمانــه وأرجحهــم عقلاً. ونــزار في اللغـة مأخـوذة مـن النـزارة، وهـي القلـة، ونـزار هـو الجـد الأعلـى لقبيلـة عنـزة العربيـة المنســوبة إلــى عنــزة بــن أســد بــن ربيعــة بــن نــزار بــن معــد «كان صاحــب حــروب وغـارات، ولـم يحـارب أحـدا ُّ إلا رجـع بالنصـر. ومعـد، مأخـوذ مـن تمعـدد، إذا اشـتد وقــوي» بــن عدنــان جــد العــرب العدنانييــن. وعنــده يقــف مــا صــح مــن سلســلة نسـب الرسـول الأعظـم، فعـن ابـن عبـاس أن النبـي(ص) لمـا بلـغ نسـبه الكريـم إلـى عدنـان قـال: «مـن ههنـا كـذب النسـابون » وبـه نقـول.
      ورسول الله (ص) هو سيّد الكائنات الذي فجّر ينابيع العلم والحكمة في الأرض، وأسّس معالــم الحضــارة والتطــور، وبنــى مجتمعــا ً كريمــا تســوده العدالــة والقانــون، وسـحق خرافـات الجاهليـة وعاداتهـا ودمـر أصنامهـا وأوثانهـا، ودعـى إلـى توحيـد الله خالـق الكـون وواهـب الحيـاة، وجـاء بالخيـر العميـم لأمتـه، ولـكل مـا تسـمو بـه مـن التقاليـد والعـادات، فمـا أعظـم عائدتـه عليها وعلى البشـرية، جمعـاء، لقد أرسـله الله تعالـى رحمـة للعالميـن، ومنـار هدايـة لخلقـه أجمعين، فـكان صلـوات الله عليه كما قـال الله تعالـى <ومـا أرسـلناك إلا رحمـة للعالميـن>  ، فهـو رحمـة للنـاس جميعـا علـى اختـلاف ألسـنتهم وألوانهـم، حريـص علـى هدايتهـم و إسـعادهم، قـال تعالـى: (لقـد جاءكـم رسـول مـن أنفسـكم عزيـز عليـه مـا عنتـم حريـص عليكـم بالمؤمنيـن رؤوف رحيــم) لقــد تشــرفت الإنســانية برســول الله (ص)، وأشــرقت الدنيــا بدعوتــه وتوطــدت أركان العدالـة بدينـه، فهـو(ص)  القائـد الملهـم لقضايـا الفكـر والوعـي فـي الأرض.
      هـذا رسـول الله (ص)، ونبـي الرحمـة جـدّ سـيدة النسـاء زينـب (ع) وقـد ورثت منه خصائصـه ومميزاتـه والتـي منها الدفاع عـن الحق، ورفع كلمـة الله عالية فـي الأرض.

الأب
      هـو علـي بـن أبـي طالـب (واسـمه عمـران وقيـل: عبد منـاف) بن عبـد المطلب واسـمه شـيبة الحمـد ابـن هاشـم (واسـمه عمـرو) بـن عبـد منـاف (واسـمه المغيـرة) ابـن قصـي بـن كلاب بـن مـرّة بـن لـؤي ابـن غالـب بـن فهـر بـن مالـك بـن النضـر بـن كنافـة بـن خزيمـة بـن مدركـة بـن اليـاس بـن مضـر بـن نـزار ابـن معـد بـن عدنـان، وأورد النقـدي عـن الأصبـغ بـن نباتـة، قـال: سـمعت أميـر المؤمنيـن (ع) يقـول:  (والله مـا عبـد أبـي ولا جـدّي عبـد المطلـب ولا هاشـم ولا عبـد منـاف صنمـاً قـط، قيـل: فمـا كانـوا يعبـدون؟ قـال: كانـوا يصلّـون إلـى البيـت علـى ديـن إبراهيـم متمسـكين بـه)[4]

      وأمّــه فاطمــة بنــت أســد، وكانــت كالأم لرســول الله ربي فــي حجرهــا، وكان أميـر المؤمنيـن علـي بـن أبـي طالـب قـد نشـأ فـي حجـر رسـول الله، وهـو أول مـن آمـن برسـول الله ، واعتنـق مبادئـه وأهدافـه، وقـام إلـى جانبـه كأعظـم قـوة ضاربـة يحمـي دعوتـه، ويصـون رسـالته، ويخمـد بسـيفه نـار الحـروب التـي أشـعلتها قريـش لتطفـئ نـور الله وتقضـي علـى الإسـام فـي مهـده، فوهـب -سـام الله عليـه- روحـه لله تعالـى، فحصـد ببتّاره رؤوس الطغـاة مـن القرشـيين وأنصارهـم المشـركين.
وهـو رائـد الحكمـة والعدالـة في الإسلام، وأخـو النبي، وبـاب مدينة علمه، ومـن كان منـه بمنزلـة هـارون مـن موسـى، وهـو -فيمـا أجمـع عليـه الـرواة- لقـد كانأبـرز بطـل فـي جيـوش المسـلمين، نـازل ببسـالة وصمـود قـوى الكفـر والإلحـاد، وأنـزل بهــا الخســائر حتــى فلّت وشــلت جميــع فعاليتهــا العســكرية، وبــاءت بالهزيمــة والخســران، ولــولا جهــاد الإمــام وكفاحــه لمــا قــام الإســام علــى ســوقه، فمــا أعظــم عائدتـه علـى الإسـام والمسـلمين.

      وكان مـن عظيـم إيمـان الإمـام ونصرتـه للإسـام مبيتـه علـى فـراش النبـي، ووقايتــه لــه بنفســه، حينمــا أجمعــت قريــش علــى قتلــه، وكانــت هــذه المواســاة الرائعـة أعظـم نصـر للإسـام، فقـد نجـا النبـي مـن أقسـى مؤامـرة دّبـرت لاغتياله، ففشـلت وأنقـذ الله تعالـى نبيـه مـن تلـك الوحـوش الكاسـرة التـي أرادت أن تطفئ نور الإسـلام وتعيـد الظلام لـلأرض. لقـد صحـب الإمـام أميـر المؤمنيـن(ع) منـذ نعومـة أظفـاره النبـي(ص) ، وتخلّق بطباعـه وأفـكاره، وتغـذى بحِكَمـِه وعلومـه، فـكان بـاب مدينـة علمـه، وقـد أظهـر مـن العلـوم مـا يبهـر العقول، حيـث يقول العقـاد: إنـه فتح ما يربـو علـى ثلاثين علمـاً لـم تكـن معروفـة قبلـه؛ كعلـم الـكلام، والفلسـفة، والقضـاء، والحسـاب، وغيرهـا، وهـو القائـل: (سـلوني قبـل أن تفقدونـي) ولـم يفـه أحـد بمثـل هـذه الكلمـة غيـره، وقـد أخبـر عـن علمـه و إحاطتـه بأسـرار الكـون والفضـاء، فقـال:
(سـلوني عـن طـرق السـماء؛ فإنـّي أعـرف بهـا مـن طـرق الأرض) كمـا تحـدث عن درايتـه بمـا احتـوت عليـه الكتـب السـماوية مـن أحـكام قائلاً: (لـو ثنيت لي الوسـادة لأفتيـت أهـل الإنجيـل بإنجيلهـم، وأهـل الزبـور بزبورهـم وأهـل الفرقان بفرقانهـم وأهل القـرآن بقرآنهـم) لقـد كان الإمـام (ع) أعظـم عمـلاق فـي المياديـن العلميـة، عرفتـه الإنسـانية بعـد النبـي(ص)، ويـدل علـى طاقاتـه العلميـة الهائلـة كتابـه نهـج البلاغـة الـذي هـو مـن أعظـم مـا تملكـه الإنسـانية مـن تـراثٍ بعـد القـرآن الكريـم.
      وعلـى أي حـال، فهـذا العملاق العظيـم هـو أبـو الصدّيقـة الطّاهـرة زينـب (ع)، فقــد غذّاهــا بمثلــه ومكوناتــه النفســية، وعلومــه وحكمــه فأصبحــت تعلــم تفســير القـرآن لنسـاء الكوفـة، فكمـا جـاء فـي التاريـخ أن جمعـاً من رجـال الكوفة جـاءوا إلى أميـر المؤمنيـن(ع) وقالـوا: إئـذن لنسـائنا كـي يأتيـن إلى ابنتك ويتعلمـن منها معالم الديـن وتفسـير القـرآن، فـأذن لهم الإمـام بذلك، فبدأت السـيدة زينب(ع) بتدريس النسـاء، ويعلم الله عدد النسـاء المؤمنات اللواتي حضرن درس السـيدة زينب(ع) طيلـة أربـع سـنوات أو أ كثـر، ويذكـر التأريـخ أنـه دخـل أميـر المؤمنيـن ذات يـوم الـدار فسـمع ابنتـه زينـب تتحـدث للنسـاء فـي درسـها عـن الحـروف المقطعـة فـي أوائـل السـور، وعـن بدايـة سـورة مريـم بشـكل خـاص، وبعـد انتهـاء الـدرس التقـى الإمـام بابنتـه وقـال لهـا: «يـا نـور عينـي أتعلميـن أن هـذه الحـروف هـي رمـز لمـا سـيجري عليـك وعلـى أخيـك الحسـين(ع) فـي أرض كربلاء، ثـم بـدأ يحدثهـا عـن بعـض تفاصيـل تلـك الفاجعـة"[5]
      وهكــذا أفــرغ عليهــا أميــر المؤمنيــن أشــعة مــن روحــه الثائــرة علــى الظلــم والطغيـان، فكانـت تحاكيه فـي انطباعاته واتجاهاته، فقارعـت الظالمين، وناجزت الطغـاة المسـتبدين، وأذلـت الجبابـرة المتكبريـن وألحقـت بهـم الخـزي والدمـار.
      لقــد وقفــت حفيــدة الرســول(ص)، ومفخــرة الإسـلام إلــى جانــب أخيهــا أبــي الأحـرار حينمـا فجـر ثورتـه الكبـرى التـي هـي أعظـم ثـورة إصاحيـة عرفهـا التأريـخ الإنسـاني، وقـد شـابهت بذلـك أباهـا رائـد العدالـة الاجتماعيـة حينمـا وقـف إلـى جانـب جدهـا الرسـول الأعظـم (ص) حينمـا أعلـن دعوتـه الخالـدة الهادفة إلـى تحرير الفكـر البشـري مـن عوامـل الإنحطـاط والتأخّـر، و إنارتـه بالعلـوم والعرفـان ودفعـه إلـى
إقامـة مجتمـع متـوازن فـي سـلوكه و إرادتـه.
      لقد كانت هذه السيّدة العظيمة في سيرتها وسلوكها من أشبه الناس بأبيها الإمام أمير المؤمنين فقد تبنت بصورة إيجابية جميع أهدافه ومواقفه التي منها نصرته للإسلام في أيام محنته وغربته، وكذلك هذه السيدة العملاقة نصرت الإسام حينما عاد غريبا ُ في ظل الحكم الاموي الذي استهدف قلع جذور الإسلام ولف لوائه، و إعادة الحياة الجاهلية بأوثانها وأصنامها، ولكنها مع أخيها -سلام الله عليها- قد أفسدت مخططات الأمويين، وأعادت للإسام نضارته ومجده.

 

الأم
      أمّا أم الســيّدة زينــب فهــي البتــول الطاهــرة فاطمــة الزهــراء (ع)، ســيّدة نســاء العالميـن فـي فضلهـا وعفّتهـا وطهارتهـا مـن الزيـغ والرجـس، وهـي بضعـة مـن رسـول الله (ص) وريحانتـه، وأعـز ّ أبنائـه عنـده، وبلـغ مـن عظيـم حبّه لهـا أنـه إذا سـافر جعلهـــــا آخـر مـن يـودّع لتكـون صورتهــــا ماثلـة أمامـه، كــــما أنه إذا قـدم مـن سـفره كان أول مـن يسـتقبلها[6]، وذلـك لسـمو مكانتهـا وعظيـم شـأنها، وقد عنـي بها عناية بالغـة فغذّاها بمكرماتـه، وأفـاض عليهـا أشـعة مـن روحـه التـي مـلأ سـناها الكـون، وغرس في نفسـها عناصـر حكمتـه وفضائلـه، فكانـت صـورة تحكيـه ومثلاً صادقـاً عنـه، ويقـول الـرواة:
«أنّهـا كانـت مـن أشـبه النـاس بـه هديـا ً وحديثـا ً ومنطقـاً [7]) وكانـت فيمـا أجمـع عليـه الـرواة مـن أشـفق النـاس وأخلصهـم لأبيهـا وأبرهـم بـه، فـإذا رأتـه متأثـراً أو حزينـا ذابت أســى ووجــداً، ومــن أمثلــة ذلــك مــا رواه أبــو نعيــم بســنده عــن أبــي ثعلبة قــال: قدم رسـول الله (ص) مـن غـزاة لـه المسـجد فصلى فيـه ركعتيـن، -وكان يعجبـه إذا قدم أن يدخـل المسـجد فيصلـي فيـه ركعتيـن-، ثـم خـرج فأتـى فاطمـة(ع) فبـدأ بهـا قبـل بيـوت أزواجـه، فجعلـت تقبـل وجهـه وعينيـه وتبكـي، فقـال لهـا رسـول الله (مـا يبكيـك؟) قالـت: (أراك قـد شـحب لونـك) فقـال لهـا: (يـا فاطمـة، إن ّ الله عـز وجـل بعـث أبـاك بأمـر لـم يبـق علـى ظهـر الأرض مـدر ولا شـعر إلا أدخلـه بـه عـزّاً أو ذلّاً [8]، حيـث سـطع الليـل[9]).
      وأحــاط النبــي بضعتــه الطاهــرة بهالــة مــن التقديــس والتكريــم إظهــاراً لعظيـم شـأنها، وسـمو مكانتهـا عنـد الله تعالـى وعنـده، وقـد نقـل الـرواة عنـه كوكبـة مــن الأحاديــث فــي ذلــك منهــا مــا يلــي:

      1. قال رسول الله : (يا فاطمة إن ّ الله عز ّ وجل يغضب لغضبك، ويرضى لرضاك [10])
      ومعنى هذه الأحاديث التي تقاربت في مؤداها أن ّ لسيدة النساء -سلام الله عليها- منزلة سامية عند الله فقد أناط رضاه برضاها، وأناط غضبه بغضبها، وهذه أسمى وأرفع منزلة يصل إليها القديسون من عباد الله. لقد انتهت سيّدة النساء إلى هذه المكانة عند الله تعالى، وذلك لما تتمتع به من طاقات هائلة من الإيمان والتقوى حتى كان ذلك من عناصرها ومقوماتها.

      2. قال رسول الله: (فاطمة ّ بضعة مني، يؤذيني ما آذاها، و يصيبني ما أصابها[11])

      3. قال رسول الله: (إن فاطمة شجنة مني، يبسطني ما يبسطها و يقبضني ما يقضبها[12])

      وتدل هذه الأحاديث بصورة واضحة على أن من يخدش فاطمة الزهراء(ع) أو يسيئ إليها بأي لون من ألوان الإساءة، فقد واجه أباها رسول الله بذلك؛ لأنها كنفسه، وأنها بمقتضى هذه الأحاديث نسخة لا ثاني لها في فضائلها ومواهبها.
      4. روت عائشة أن النبي قال في مرضه الذي توفي فيه لفاطمة(يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء العالمين، وسيدة نساء هذه الأمّة وسيدة نساء المؤمنين[13])
      5. روى عمران بن حصين: أن النبي  قال: (ألا تنطلق بنا نعود فاطمة فإنها تشتكي؟) فقلت: بلى، فانطلقنا حتى إذا انتهينا إلى بابها فسل واستأذن، فقال: (أدخل أنا ومن معي؟) قالت: (نعم، ومن معك يا أبتاه؟ فو الله ما علي ّ إلا عباءة) فقال: (اصنعي بها كذا) فعلّمها كيف تستتر، فقالت: (والله ما على رأسي من خمار) فأخذ ملاءة كانت عليه فقال:(اختمري بها) ثم أذنت لهما فدخلا، فقال: (كيف تجدينك يا بنية؟) قالت: (إني لوجعة، و إنّه ليزدني أنّه ما لي طعام آ كله،) قال: (يا بنية، أما ترضين إنّك سيدة نساء العالمين؟) قالت: (يا أبت، فأين مريم ابنة عمران؟) قال: (تلك سيدة نساء عالمها، وأنت سيّدة نساء العالمين، أما والله زوّجتك سيّداً في الدنيا والآخرة).

      6. روى الإمام أمير المؤمنين: (أن النبي(ص) قال لفاطمة سلام الله عليها: ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنة، وابنيك سيدا شباب أهل الجنة؟[14])

      7. روى أنس بن مالك، أن النبي قال: (خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وأسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (ص)[15]

      وكثيـراً مـن أمثـال هـذه الروايـات دوّنـت فـي الصحـاح والسـنن وغيرهمـا وهـي تشــيد بفضــل ســيّدة النّســاء، وأن الله تعالــى قــد قلدهــا أســمى أوســمة الشــرف، وفضلهــا علــى جميــع نســاء العالميــن.
وهـذه البتـول سـيّدة نسـاء العالميـن هـي أم ّ السـيدة زينـب، وهـي التـي تولــت تربيتهــا ونشــأتها، فغذتهــا بمعــارف الإسلام وحكمــه وآدابــه، وغرســت في أعمــاق نفســها الإيمــان بــالله والإنقطــاع إليــه، حتــى صــار ذلــك مــن مقوماتهــا وذاتياتهـا، فكانـت نسـخة لا ثانـي لهـا فـي فضائلهـا وصفاتهـا، فلم ير مثلها في نسـاء المســلمين وغيرهــم فــي كمالهــا وآدابهــا وســائر نزعاتهــا.


إخوانها:
      ويجــدر بنــا بعــد هــذا العــرض الموجــز لشــؤون الأســرة الكريمــة التــي تفرعــت منهـا سـيّدة النّسـاء زينـب  أن نذكـر- بإيجـاز - إخوانهـا الذيـن عاشـرتهم، وهـم الذيـن ملـؤوا فـم الدنيـا بفضائلهـم ومآثرهـم، وهـم:

- 1الإمام الحسن
      وريحانــة رســول الله (ص) وســيّد شــباب أهــل الجنــة، وســبطه الأول، وكانــت ولادتـه فـي النصـف مـن شـهر رمضـان المبـارك للسـنة الثالثـة مـن الهجـرة[16] وقـد شــوهدت فــي طلعتــه شــمائل النبــوة وأنــوار الإمامــة، وهــو أول مولــود ســعدت بــه الأسـرة النبويـة، فقـد عمهـا السـرور بهـذا المولـود المبـارك. وقـد سـارع النبـي إلـى بيـت بضعتـه وحبيبتـه السـيدة فاطمـة الزهـراء فهنأهـا بوليدهـا، وأجـرى عليـه مراسـيم الـولادة الشـرعية؛ فـأذن فـي أذنـه اليمنـى وأقـام فـي اليسـرى، فـكان أوّل صـوت اختـرق سـمعه صـوت جـده العظيـم داعيـة الله فـي الأرض، وانشودة ذلـك الصـوت: (الله أ كبـر، لا إلـه إّلا الله.)
وهـل فـي دنيـا الوجـود كلمـات هـي أسـمى وأعظـم مـن هـذه الكلمـات، وقـد غرسـها النبـي فـي قلـب وليـده لتكـون منهجـا لـه فـي حياتـه.وفي اليــوم الســابع مــن ولادتــه عــق عنــه النبــي  بكبــش، وحلــق رأســه، تصــدّق بزنــة شــعره فضــة علــى المســاكين[17] وكان ذلــك ســنة فــي الإســام لكل وليــد.


ملامحه
      أمّـا ملامحه فكانـت تحكـي ملامح جـده الرسـول(ص)، تقول عائشـة: من أحب أن ينظـر إلـى رسـول الله  فلينظـر إلـى هـذا الغلام - يعنـي الحسـن(ع)[18]. ويقـول أنــس بــن مالــك: لــم يكــن أحــد أشــبه بالنبي مــن الحســن بــن علــي[19] لقــد كان الإمـام الحسـن صـورة مشـرقة عـن جـده الرسـول الأعظـم ، لا فـي ملامحـه وصورتـه فحسـب، و إنمـا كان يحكيـه فـي نزعاتـه وصفاتـه ومعالـي أخلاقه التـي امتاز بهـا علـى سـائر النبييـن.


مظاهر شخصيته
      ونتحدث - بإيجاز - عن بعض مظاهر شخصية الإمام الحسن ، وهي:

الحلـم: مـن ذاتيـات الإمـام السـبط: الحلـم، فقـد كان مـن أحلـم الناس، وقـد تعرض لموجات عاتية من الإساءة من الأسرة الأمويــة التــي ملئــت نفوســها بالحقــد والكراهيـة لآل النبـي، فمـا قابـل الإمـام أحـداً بإسـاءة و إنمـا كظـم غيظـه، وقـد شـهد مـروان بـن الحكـم -وهـو مـن أخبـث الناس، وأشـدهم عداوة للإمام الحسـن- بعظيم حلمـه، فقـد أسـرع بعـد وفاتـه إلـى حمـل جثمانـه، فقيـل لـه: أتحمـل جثمانـه وكنـت تجرّعـه الغصـص؟! فأجـاب: إنـي أحمـل جثمـان مـن كان يـوازي حلمـه الجبـال.
لقـد كان الحلـم مـن أبـرز عناصـره النفسـية، وقـد أجمـع الرواة علـى أنه كان من أوسـع النـاس صـدراً، وأنّه مـا جـازى مـن أذنـب فـي حقـه، و إنمـا قابلـه بالبـر والإحسـان، شـأنه فـي ذلـك جـدّه الرسـول الـذي وسـع النـاس جميعـا بمعالـي أخلاقـه.
الجـود: وكان الإمـام السـبط مـن أنـدى النـاس كفـاً، ومـن أ كثرهـم بـرًا و إحسـانا، للفقـراء، وكان لا يـرى للمـال قيمـة سـوى مـا يـرد بـه جـوع جائع، أو يكسـو عريانـا، وقد حفلـت مصـادر التأريـخ والتراجـم بذكـر بـوادر كثيـرة مـن كرمـه وسـخائه، وقـد لقـ(ع) بــ «كريـم أهـل البيـت»، وهـم معـادن الكـرم والجـود.
سـمو الأخلاق: ومـن عناصـر الإمـام الحسـن سـمو الأخلاق، فـكان آيـة مـن آيـات الله العظـام فـي هـذه الظاهـرة الفـذة، ومـن معالـي أخلاقـه أنـه كان يوقّر ويحترم كل مـن قصـده ولا يفـرق بيـن القريـب والبعيـد وكان يواسـي النـاس فـي مصائبهـم ويشــاركهم فــي مســراتهم، ويوقــر الكبيــر، ويحنــو علــى الصغيــر، ويعطــف علــى الضعيـف، وكان للمسـلمين أبـاً رؤوفـاً، وكهفـاً حصينـاً، يلجـأ إليـه غارمهـم، ويفـزع إليـه مظلومهـم، وقـد شـابه جـدّه الرسـول الأعظـم فـي سـمو أخلاقـه التـي مدحـه الله تعالــى بهــا، قــال الله:  (واِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيم)[20]

مــع الســيدة زينــب

       نشــأت ســيدة النســاء زينــب مــع أخيهــا الإمــام الحسـن وقطعـت شـوطاً مـن حياتهـا مـع هـذا الإمـام العظيـم ريحانـة رسـول اللهوسيّد شباب أهل الجنة، وتطبعت بأخلاقه وآدابه وكان يجلها كثيرا، ويعطف عليها، ويقابلهـا بمزيـد مـن الرعايـة والعنايـة، فقـد رأى جـدّه وأبويـه قـد أحاطوهـا بـكل تبجيل واحتـرام، وأشـادوا بمواهبهـا وفضائلهـا، وقدّموهـا علـى بقيـة السـيدات مـن نسـاء أهلهـا وقومهـا، هـذه لمحـة موجـزة عـن علاقـة الإمـام الحسـن بشـقيقته السـيدة زينـب(ع) .


- 2الإمام الحسين
      أمّا الإمـام الحسـين فهـو الشـقيق الثانـي لسـيّدة النّسـاء زينـب ، وقد نشـأت معـه وتطبعـت بطباعـه، وكانـت بينهمـا أعمـق المـودة، وهـو عندهـا أعـز مـن الحيـاة، وكانـت تشـاركه فـي آمالـه وآلامـه، وهـي من أبـر أهله بـه، وقد احتلت عواطفه ومشـاعره، وذلـك بمـا تملكـه مـن أصالـة الـرأي، وسـمو الآداب، ومعالـي الأخا ّ ق، فقد تجسـدت فيهـا مواريـث النبـوة والإمامـة، وكانـت صـورة صادقـة لأمها بضعة الرسـول(ص) وسـيدة نسـاء العالميـن، السـيدة الزكيـة فاطمة الزهـراء سـام الله عليهالقد كانت سـيدة النسـاء زينب  موضع أسـرار أخيها الإمام الحسـين، والعالمـة بجميـع شـؤونه، وكان يستشـيرها فـي جميـع امـوره، وقـد رافقتـه فـي ثورتـه الخالــدة، وأمدتهــا بعناصــر البقــاء والخلــود، ولــولا جهادهــا وجهودهــا ومواقفهــا المشــرفة فــي أروقــة بــاط الحكــم الأمــوي لضاعــت ثــورة أخيهــا، وذهبــت أدراج الريـاح، وبلـغ مـن سـمو مكانتهـا عنـد الحسـين أنـه لما ودعهـا الـوداع الأخيـر يـوم الطـف طلـب منهـا أن لا تنسـاه مـن الدعـاء فـي نافلـة الليـل. [21]

 -3العباس
      هو (قمر بني هاشـم)[22] وفخر الإسلام، ومجد المسـلمين، وهو أخو سـيدة النساء زينـب لأبيهـا، وأمه أم ّ البنين، وهي من سـيدات نسـاء المسـلمين في فضلها وشـرفها وطهارتهـا، تزوجهـا الإمـام أميـر المؤمنيـن(ع) بعـد وفـاة الصديقـة فاطمـة الزهـراء سلام الله عليها، وقد قامت بدور إيجابي في خدمة السـبطين وشـقيقتهما السـيدة زينب، فكانـت تقدمهـم فـي الرعايـة والعطـف علـى أبنائهـا، لأنهـم ذريـة رسـول الله الـذي ألـزم الله المسـلمين بمودتهـم ومحبتهـم، وكان أول مولـود لهـا: أبـو الفضـل العباس وقـد ترعـرع ونشـأ مـع أخويـه سـيدي شـباب أهـل الجنـة الحسـن والحسـين، فغذياه بالفضائـل والآداب، وغرسـا فـي نفسـه تقـوى الله، فكان مـن أروع أمثلة الإيمـان، وكانت علاقتـه مـع أخيـه الإمـام الحسـين وثيقـة للغايـة، فكان منـذ نعومة أظفاره يتسـابق لخدمتــه، ويبــادر لقضــاء حوائجــه، ولا يفارقــه فــي حلــه وترحالــه، وكان مــن أشــفق الناس عليـه وأبرهـم بـه، وكان العبـاس مـن أحـب النـاس لأختـه العقيلة زينـب، فقـد وجـدت فيـه مـن الرعايـة والبـر والعطـف، فقـد كان ما ً زمـا لخدمتهـا كمـا كان ملازمـا لخدمـة أخيـه الإمـام الحسـين، وقـد قـدّم لهـا جميـع ألـوان البر والإحسـان، ولمّا ارتحلـت مـع أخيهـا أبـي الشـهداء مـن المدينـة إلـى مكـة ثـم إلـى كربلاء كان العبـاس هـو الـذي يقـوم بخدمتهـا، ولـم يـدع أحـدا ّ مـن السـادة العلوييـن أن يتولى رعايتهـا سـواه، ولما استشـهد سلام الله عليـه فـي كربـاء ذابـت نفسـها عليـه أسـى وحسـرات، وودت أن المنيـة قـد وافتهـا قبلـه، وشـعرت بالوحـدة والضيـاع مـن بعـده.


4- محمد بن الحنفية
      ومحمـد ابـن الإمـام أميـر المؤمنين هو المعـروف بـ(ابن الحنفيـة)[23]، وكان من أفـذاذ العلوييـن ومـن سـاداتهم، وكان يجـل ويعظـم السـيدة زينـب؛ لأنهـا حفيدة النبـي وسـيدة نسـاء المسـلمين، كمـا كانـت تُكِن لـه أعظـم الـود والإخلاص، وكان محمّد مـن المعارضيـن لابـن الزبيـر والناقميـن عليـه، ولا يـراه أهـلاً لقيـادة الأمـة؛ فامتنـع عـن بيعتـه، وتبعـه على ذلك بقية الهاشـميين، فأمر بحبسـهم في (قبـة زمزم) وضـرب لهـم أجـلاً مسـمى، فـإن لـم يبايعوه فيـه و إلا أحرقهـم بالنـار، ودل ذلـك علـى تجـرده مـن كل نزعـة إسلامية وإنسـانية، وقـد شـابه بذلـك قرينـه يزيـد بـن معاويـة، ولـو تـم لـه الأمـر لـزاد علـى جرائمـهوأرسـل محمـد رسـالة إلـى المجاهـد العظيـم بطـل الإسـام المختـار الثقفـي عرّفــه فيهــا بمــا جــرى عليــه مــن ابــن الزبيــر، وكتــب فــي آخرهــا: يــا أهــل الكوفــة، لا تخذلونــا كمــا خذلتــم حســيناً.
ولمّا انتهـت إليـه أجهـش بالبـكاء، وقرأهـا علـى أهـل الكوفـة وخاطبهـم قائلاً هـذا كتـاب مهديكـم، وسـيّد أهـل بيـت نبيكـم، وقـد تركهـم الرسـول ينتظـرون القتـل والحريـق، وأخـذ يتهـدد ابـن الزبيـر قائلاً: لسـتُ أبـا إسـحاق إن لـم أنصرهـم، وأسـرب الخيـل إثـر الخيـل كالسـيل حتـى يحـل بابـن الكاهليـة الويـل.
وجهـز جيشـاً قوامـه ألـف فـارس بقيـادة عبـد الله الجدلي، ثـم أتبعـه بثلاثة آلاف فـارس، وأخـذوا يجـدون السـير حتـى انتهـوا إلـى (مكـة،) وهـم ينـادون: (يـا لثـارات الحسين).
      وهجمـوا علـى (قبـة زمـزم) فـرأوا الحطـب قـد وضـع عليهـا، ولـم يبـق مـن الأجـل الـذي حـدده الطاغيـة لإحراقهـم سـوى يوميـن، فأخرجوهـم مـن القبـة، وطلبـوا مـن محمد أن يناجــزوا ابــن الزبيــر الحــرب فأعــرب لــه محمد عــن ســمو ذاتــه وطهــارة نفسـه قائلاً: لا أسـتحل القتـال فـي حـرم الله.


الخاتمة
      وفـي الختـام، فـإنّ السـيّدة زينـب لا يمكـن لنـا بهـذه الصفحـات القليلـة أن نسـتوفي مـا لهـا مـن كمـالات وصفـات، ونسـب عريـق لـم نعهـده فـي غيرهـا مـن النسـاء، سـوى أمهـا الزهـراء التقيـة النقيـة وجداتهـا الطاهـرات، ولهـذا نهيـب بأخواتنـا المؤمنـات أن يقتديـن بهـا؛ لأنها الرمز والمثال السامي لكل الطاهرات والعفيفات مـن النسـاء، وفقنـا الله و إياكـم لاقتـداء بأهـل البيـت رجـالاً ونسـاءاً، فإنهـم الطريـق الواضـح المسـتقيم الـذي لا أعوجـاج فيـه، وهـم النسـب الوضـاء الـذي لا يخبـو نـوره.

 

[1] علل الشرايع، ج1 ص 208 ب156 ح11

[2] المجلسي، بحار الأنوار، ج97، ص 187 ب3 زيارته (ع) من بعيد.

[3] المجلسي، بحار الأنوار: ج98 ص200ب18 زيارته صلوات الله عليه

[4] مواهب الواهب في فضائل والد أمير المؤمنين وناصر رسول رب العالمين أبي طالب، ص.27
 

[5] الخصائص الزينبية، السيد الجزائري، ص68، رياحين الشريعة، المحلاتي،ج3،ص57.

[6] مسند أحمد بن حنبل .275:5مستدرك الصحيحين .[56:3سنن البيهقي 1:26

[7] صحيح الترمذي،2:319 رواه بسنده عن عائشة. ورواه الحاكم في مستدرك الصحيحين بسنده عنها 154 ورواه البخاري في الأدب المفرد 141 ورواه ابو عمرو في الاستعاب 75112

[8] معنى الحديث أن البيوت التى دخلها العز هي التي آمنت بالإسام، وأما لبيوت التي دخلها الذل فهي التي لم تؤمن بالإسام، وبقيت على كفرها وضلالها.

[9] حلية الأولياء 2/30. كنز العمال: 1/77. مجمع الزوائد8/262

[10] ذخائر العقبة ص39

[11] صحيح الترمذي 2/319. مسند ابن حنبل 3/4

[12] كنز العمال 6/219

[13] مستدرك الصحيحين 6/219

[14] كنز العمال 7/111

[15] تفسير ابن جرير 3/170

[16] الإصابة 1/338. الاستيعاب 1/368. حياة الإمام الحسن (ع) 1/59

[17] الإصابة1/338. الاستيعاب1/368. حياة الإمام الحسن(ع)1/59

[18] الفتوح 2/340.

[19] فضائل الأصحاب، ص126.

[20] سورة القلم: الآية4

[21] زينب الكبرى: ص60.

[22] العباس بـن علـي بـن أبـي طالـب(ع) ، يكنى بــ «أبـي الفضـل» ويلقب بــ «قمـر بنـي هاشـم» ولقـب فـي كربلاء بـ « السـقّاء » و«حامـل اللـواء» و«رئيـس عسـكر الحسـين» وغيرهـا مـن الألقـاب. وقـد عـدّت لـه سـتة عشـر لقبـاوأمه أم البنيـن فاطمـة بنـت حـزام بـن خالـد بـن ربيعـة، والعبـاس قتـل مـع أخيـه الحسـين بكربـاء، عـده الشـيخ فـي رجالـه مـن أصحـاب الحسـين، وقـد كان مـن فقهـاء أولاد الأئمـة، وكان عـدلا ثقـة تقيا نقيـا. وقـد قـال الصــادق: كان عمنـا العبّاس بــن علــي نافــذ البصيــرة صلــب الإيمــان، جاهــد مــع أخيــه الحســين وأبلــى بلاء حسـناً ومضـى شـهيدا. وقـال علـي ّ بـن الحسـين :إن للعبـاس عنـد الله تبـارك وتعالـى منزلـة يغبطـه بهـا جميـع الشـهداء يـوم القيامـة. رجـال الطوسـي: 76رجـال العلامـة:118 تنقيـح المقـال 2/128.

[23] اسـم أمـه خولـة بنـت جعفـر بـن حنفيـة، ولـد فـي خافـة أبـي بكـر، وقيـل: فـي خلافـة عمـر، يكنـى أبـا القاسـم. روى عـن أبيـه وعـن جماعـة مـن الصحابـة، وذهـب فريـق مـن المسـلمين إلـى إمامتـه وكان منهـم: كثيـر عـزة، ولـه فيـه أشـعار، وقـال بإمامتـه: السـيّد الحميـري إلا أنه عـدل عنـه وقـال بإمامـة الإمـام الصـادق، توفـي سـنة 73هــ، وقيـل: سـنة ثمانيـن، وقيـل غيـر ذلـك - تهذيـب التهذيـب 354:9.

التعليقات