مقالة

زينب العفّة والنقاء رائدة الولاية

زينب العفّة والنقاء رائدة الولاية

09 May |2024

قــد جســد أهــل البيــت(ع) رجــالاً ونســاءً- النمــوذج الأســمى والأكمــل للشـخصية الإسلامية والمثـل الأعلى للإقتـداء، وأُعطوا في كل حركاتهم ومسـيرتهم أســمى الصــور التــي رســمها القــرآن الكريــم للإنســان، وحددتهــا الســماء لإنســان المشــروع الإلهــي. و مـن بيـن الذيـن جسـدوا هـذه الشـخصية المتكاملـة الأبعـاد للإنسـان القرآنـي هـي الحـوراء زينـب(ع) التـي طبعت بصمتهـا في كل الميادين سـواء التي تخص مياديــن المــرأة وطبيعتهــا الفســيولوجية مــن خصائــص نفســيّة وعفــة وحجــاب، حيــث لــم يمنعهــا ذلــك مــن أن تكــون الثائــرة والمفكــرة والمغيــرة للتاريــخ، أو مــا يخـص المياديـن العامـة التـي تشـارك الرجـل فيهـا مـن النشـاط الولائـي والفكـري والسياسـي والثـوري والجهـادي، حيـث كانـت مـن أعظـم الشـخصيات النسـائية المؤثــرة فــي التاريــخ، فقلبــت الــرأي العــام ووضحــت الأحــداث المرتبطــة بواقعــة كربلاء، فـكان لهـا حضـوراً فـي حفـظ خـط الولايـة، ونقـد للسـلطات وكرسـي الخلافـة وسـير الأحـداث والمسـار المنحـرف للـرأي العـام، إذ خاضـت تجربـة الدفـاع عـن الولايـة والنقـد والتصحيـح فـي أقسـى ظـروف تمـر بهـا امـراة، وأوجـع جريمـة اقترفـت بحـق أهـل بيتهـا عليهم السلام، إلا أنهـا وقفت بعفّة وكرامة وصمـود توضح الحقائق وتشـير بإصبـع النقـد للطغـاة وتشـخّص فـي قلـب التاريـخ الصحيـح والسـقيم مـن الأحـداث.

المقدمة 

          عندمـا يتكلـم الكُتّـاب والشـعراء عن الشـخصية العظيمة للسـيدة زينب(ع) فإنهـم يختـارون أفضـل المفـردات وأحسـن الكلمـات وأجمـل التعابيـر ليسـتطيعوا وصــف شــخصيتها الكاريزميــة ووصــف عظمتهــا وشــموخها وشــجاعتها، وبهــذه الكلمـات لا ينسـون عفّتهـا وصونهـا لنفسـها وكيـف اسـتطاعت برغـم المصائـب التـي صُبّت عليهـا مـن سـبيها وقتـل أهـل بيتهـا وأعـز النّـاس إليهـا فإنّهـا لـم تنسـى حينما قاتـل وقُتـل أخيهـا الحسـين(ع) مبـادئ الدّيـن وأُسُـس الإسلام، ومـن هـذه المبـادئ شـرف المسـلمين، وحمايـة أعراضهـم، والدفـاع عنهـم، وتعليمهـم الكرامـة وعــزة النفــس وجميــع المبــادئ والقيــم الأخلاقيّــة التــي تأسّــس عليهــا الإسلام. فحِفــظ كرامــة الآخريــن وعــدم الإعتــداء عليهــم هــو مبــدأٌ أخلاقــيٌ قبــل أن يكــون مبـدأ دينـي لذلـك كان الحفـاظ علـى العفّـة والحجـاب مـن قبـل أهـل البيـت(ع) بصـورة عامـة والسـيّدة زينـب(ع) بصـورة خاصـة يأخـذ حيّزاً كبيـراً مـن الإهتمام في سـيرتهم العمليّـةفـإنّ السـيّدة زينـب كأمهـا الزهـراء سـيدة نسـاء العالميـن(ع) حيـث ينقـل التاريـخ كيـف كانـت تسـير ولا يـُرى ظلّها فقـد تعلمت من أمّهـا درس الحياء والنقـاء والعفّةوهـي كجدتهـا مولاتنـا خديجـة أم المؤمنيـن حيـث أخـذت منها مبـادئ العفّة والحيــاء والشــجاعة والدّفــاع عــن المظلوميــن وأخــذت القــوّة والأخلاق السامية التـي جـاء بهـا نبـي الإسلام وهـي الأخلاق الإنسـانية التـي عجنـت فـي طبيعـة أي انسـان شـريف ذي قيـم ومبـادئ.

ولادتها ونشأتها (ع)

          ولــدت مولاتنــا الطاهــرة الســيّدة زينــب بنــت علــي بــن أبــي طالــب(ع) فــي الخامـس مـن جمـادى الأولـى في السـنة الخامسـة للهجـرة، وهي أكبر بنـات فاطمة الزهراء(ع) ونشـأت وترعرعـت فـي ظـل الرسـالة والوحـي السـماوي فـي كنف جدّها رسـول الله، وعنـد مولدهـا تلقفهـا جدّها يـأذّن فـي أذنهـا وكأنّـه يخبرهـا بمـا سـيحل بهـا لتتعلـم الصّبـر والثبـات والدفـاع عـن الولايـة.
          نشـأت مولاتنـا زينـب(ع) فـي ظـل جدّهـا وأبيهـا أميـر المؤمنيـن(ع)  وأمّهـا الزّهـراء(ع)، ورضعـت مـن بيـت الوحـي والنبـوّة وبيـت العفّـة والكرامـة والشّـجاعة ومنطــق الوحــي، لذلــك فهــي تربـّـت منــذ نعومــة أظافرهــا فتهيّــأت ليــوم عاشــوراء ومصائبهــا فتناولهــا جدّهــا بدمــوع جارية، ليحكــي مــا ســوف يجــري عليها، ونــزل جبرئيــل باســمها مــن عنــد رب العــزّة فسمّاها زينــب لتكــون زينــة أبيهــا وترفــع اسـمه وتذكـّر أعدائـه بـه عندمـا يسـمعونها فيذكـرون صـوت علـي فيتخيلـون أميـر المؤمنيــن(ع) وهــو يقبــل عليهــم لمــا بهــا مــن هيبتــه ووقــاره.
          يـروى أنّ رسـول الله(ص) عندمـا أخذهـا بيديـه يـوم مولدهـا قـال فـي حقّهـا إنّ حرمتهــا كحرمــة مولاتنــا أم المؤمنيــن خديجة(ع)[1]، فيجــب إكرامهــا وحمايتهــا ورعايتهـا لمـا لهـا مـن الشـبه الكبيـر بينهـا وبيـن جدتهـا سلام الله عليهـا ومـا لهـا مـن دور فـي نشـر الإسلام وحمايتـه وحفظـه بنفسـها وأموالهـا كمـا لزينـب(ع) دور فـي حمايـة الإمامـة و إيصـال صـوت الحـق وإدامـة سـيرة الإمـام الحسـين(ع) وحفـظ واقعـة عاشـوراء وكشـف ظلـم بنـي أميـة وأعـوان معاويـة عليهـم لعائـن الله والتنبيـه علــى خطــر وجودهــم علــى الإسلام والمســلمين ففضحتهــم بفصاحــة لســانها وحكمـة أقوالهـا.
          يقول سـماحة باقر شـريف القرشـي في هذا الصدد (إنّ السـيدة خديجة أسـمى امـرأة مجاهـدة فـي الإسلام هـي جـدّة الصديقـة زينـب، وقـد ورثـت صفـات جدتهـا التـي منهـا: الإندفـاع فـي نصـرة الحـق والـذبّ عـن المثـل العليـا وقـد ظهـرت هـذه الصفـات بوضـوح عنـد العقيلـة، فقـد وقفـت إلى جانـب أخيها الإمام الحسـين(ع) فهـي شـريكته فـي نهضتـه وجهـاده، وهـي التـي أمـدت ثورتـه الجبـارة الخالـدة بعناصـر البقـاء والخلـود[2].

البعد الديني في شخصية السيدة زينب(ع)

          فـي حيـاة السـيدة زينـب(ع) عـدة أبعـاد ومحـاور يمكـن أن تكـون النّمـوذج الكامــل للمــرأة المســلمة الصالحــة المعطــاة لجميــع جوانــب الحيــاة الدينيـّـة والعباديّــة والإجتماعيــة والأخلاقيــة والسياســيةفأهـم بُعديـن بـرزا فـي واقعـة عاشـوراء وبعدهـا وأخـذا حيـّزاً كبيـراً ووصلا إلـى الـذروة همـا:

  1. البعد الديني والأخلاقي:


           نسـتطيع القـول أنّ الحيـاء والتـزام المبـادئ الأخلاقيـة التـي تتمثـل بالحفاظ علـى العفّـة والحجـاب والتسـتّر عـن عيـون الأعـداء كان لها الـدور الفعّال فـي الدّفاع عـن كرامـة المـرأة، مـن خـلال مواقفهـا العمليـة وفـي خطبهـا فـي الكوفـة والشـام أمـام يزيـد وكيفيـة الحفـاظ علـى الحجـاب الـذي هتـك مـن قبـل بنـي أميـة ولـم يرعـوا لـه حرمـة ونزعـوا أقنعة السـبايا مـن النسـاء والفتيـات، لذلـك عندمـا قلنـا البعـد الديني والأخلاقـي باعتبـار أن الأخلاق جـزء لا يتجـزء مـن الديـن بـل أن الحضـارات إذا لـم تبتـن علـى المنهـج الأخلاقـي فلا أسـاس لبنائهـا وسـوف تنهـار تحـت وطـأة الفسـاد والإنحلال الأخلاقـي وكان هـذا المبـدأ هـو أحـد أسـس البنـاء الحضـاري الـذي ذكـر فـي القـرآن. وإذا تصفحنـا التاريـخ قليلاً وخاصّـة فـي حيـاة أميـر المؤمنيـن(ع) نجـد مولاتنـا زينـب تعيـش حياة الحماية والحفاظ عليها من قبل والدها وأخويها، حيث يُذكر في الروايات والكتب التاريخية أنّ السـيّدة زينب(ع) إذا أرادت الخروج لزيارة قبـر جدّهـا رسـول الله(ص) فإنهـا تخـرج مـع عزوتهـا وأهـل بيتهـا وذلـك لتتجنّـب رؤيـة الغريـب لهـا فيتقدمهـا والدها أميـر المؤمنين(ع) والإمام الحسـن(ع) عن يمينها والإمام الحسـين (ع) عـن شـمالها فلا يـرى ظلّهـا ولا يراهـا أحد مـن الخلق. وهذا نمـوذج من العفّـة التـي حافظـت عليـه السـيّدة زينـب(ع) ويبـادر الإمـام أميـر المؤمنيـن(ع) إلـى إخمـاد ضـوء القناديـل التـي علـى المرقـد المعظّـم، فيسـأله الإمـام الحسـن(ع) عــن ذلــك، فقــال لــه: (أخشــى أن ينظــر أحــد إلــى شــخص أختــك الحــوراء) [3]. كذلــك يحدّثنــا التاريــخ أن يحيــى المازندرانــي كان فــي المدينــة لمــدّة طويلــة وبقـرب منـزل مولاتنـا زينـب(ع) إلّا أنّـه لـم يرهـا ولـم يسـمع لهـا صوتـاً فقـال: (كنـت في جــوار أميــر المؤمنيــن فــي المدينــة مــدّة مديــدة، وبالقــرب مــن البيــت الــذي تسـكنه زينـب ابنتـه، فلا والله مـا رأيـت لهـا شـخصاً، ولا سـمعت لهـا صوتـاً)[4].
          مولاتنــا زينــب(ع) لــم تتــرك عفّتهــا حتــى فــي أحلك الظــروف التــي مــرّت عليهــا وعنــد الأســر بيــد أعــوان يزيــد كانــت المــرأة التــي يقتــدى بهــا فــي هــذه الظــروف لتعلّم النسـاء بـل تعلّـم الجنسـين علـى حـد سـواء مـن بعدهـا درسـاً ألا وهـو مهمـا غلبـت المصائـب علـى الإنسـان فلا يجـزع مـن حياتـه ويتـرك الصبـر والتـوكل علـى الله أو تـرك المبـادئ الدينيـة وينسـى الله فيرتكـب معصيـة جزعاً ممّـا حلّ بـه، فإن ما أصابهـا(ع) يشـيب لـه الـرأس وأنّ فاجعـة كربلاء هـي أ كبـر الفواجـع التي مـرّت على طـول الزمـن منـذ خلـق الله آدم ولحـد الآن، ومـن أجـل الحفـاظ علـى حـدود وحرمـة الحيــاء والعفــة وحرمــت الحجــاب فقــد صرخــت بوجــه يزيــد بخطبتهــا الشــهيرة عندمـا أراد أحـد الواقفيـن التعـرّض لفاطمـة بنـت الإمـام الحسـين(ع) فاعترضـت عليـه زينـب(ع) قائلـة لـه: (فحمـدت الله وصلّـت على النبي وآله قائلـة: أظننت يا يزيـد حيـث أخـذت علينا أقطار الأرض وآفاق السـماء، فأصبحنا نسـاق كما تسـاق الأســارى، أمــن العــدل يــا ابــن الطلقــاء تخديــرك حرائــرك و إمــاءك وســوقك بنــات رسـول الله سـبايا قـد هتكـت سـتورهن وأبديـت وجوههـن، تحـدو بهـن الأعـداء مـن بلـد إلـى بلـد ويتصفـح وجوههـن القريـب والبعيـد والدنـي والشـريف، ليـس معهـن من رجالهـن ولـي ولا مـن حماتهـن حمـي، فـوالله مـا فريـت إلا جلـدك ولا حـززت إلا لحمـك، ولتـردن علـى رسـول الله بمـا تحملـت مـن سـفك دمـاء ذريتـه وانتهكـت مـن حرمتـه فـي عترتـه ولحمتـه، وحسـبك بـالله حاكمـاً وبمحمـد خصيمـاً وبجبريل ظهيـراً وسـيعلم مـن رسـول لـك ومكنـك مـن رقـاب المسـلمين «بئـس للظالميـن بــدلاً» وأيكــم شــر مكانــاً وأضعــف جنــدا ولئــن جــرت علــي الدواهــي مخاطبتــك فإنـي لأسـتصغر قـدرك وأسـتعظم تقريعـك وأسـتكثر توبيخـك، ولكـن العيـن عبـرا والصـدور حـرى. فالحمـد لله الـذي ختـم لأولنـا بالسـعادة والمغفـرة ولآخرنـا بالشـهادة
والرحمـة، ونسـأل الله أن يكمـل لهـم الثـواب ويوجـب لهـم المزيـد ويحسـن علينـا الخافـة، انـه رحيـم ودود وحسـبنا الله ونعـم الوكيـل)[5].
          وأول مــا نطقــت بــه مولاتنــا خــدر المخــدرات بعــد الحمــد والصلاة علــى النبی(ص) أن ذكرتـه شـنيع مـا صنـع ببنـات رسـول الله (ص) وأن لهـنّ حرمـة عنـد الله لصلتهـن وقربهـن لرسـول الله وبهـذه الكلمـات المعبّـرة التـي تبلـغ قمـة الفصاحـة والبلاغـة عبـرت عـن مكانـة وقـدر يزيـد ووصفتـه بالحقيـر الـذي لا يليـق بـأن توبخـه أو تتكلـم معـه لمـا لهـا مـن شـأن عظيـم ولمـا لـه مـن شـأن وضيـع عنـد الله تعالـى.
          كذلـك نجـد فـي الروايـات بـأنّ مولاتنـا زينـب(ع) عندمـا دخلـت الكوفـة فإنها عمـدت إلـى وجههـا تغطيـه بكمّهـا كمـا ينقلـه علماؤنـا الأعلام مما يدل علـى مدى أهميـّـة العفـّـة والتخفــي والتســتّر عــن أنظــار الغربــاء فــي قلــب الســيدة زينــب(ع) (دخلت زينب على ابن زياد وهى تسـتر وجهها بكمّها (لأن قناعها قد أخذ منها)[6]
وهذا ما صوّره لنا الشاعر بعدة أبيات يبين حيائها وعفّتها سلام الله عليها:
أبـرزت حـاسرة لـكن عـلــى

                  حـالة لـم تبق للجلد اصطبارا
لا خـمار يـستـر الـوجـه وهل

                   لـكريمات الـهدى ابقوا خمارا
لا ولا مـــن ألــبسها مــن نــوره

                   أزرا مــذ ســلبوا عــنها الازارا
لـم تدع يا شلت الأيدي لهـا

                من حجاب فيه عنهم تتوارى[7]
          كذلـك نجـد رائـدة العفّـة والنّقـاء والحيـاء عندمـا دخلـت علـى مجلـس ابـن زياد، دخلـت وهـي متنكّـرة تلـوذ بجمـع مـن امائهـا، عليهـا ثيـاب رثـّة مـن أجـل عـدم التعـرف عليهـا وعـدم رؤيتهـا وملاحظتهـا وهـذا لمـا تملكـه مـن عفّـة وشـرف وطهـارة ونقــاء، وهــي التــي سُــميت وعُرفــت بخــدر المخــدرات ولــم تــرد أن يرهــا أعداؤهــا أو حتـى تكلّمهم، ولكـن ابـن زيـاد تعـدّى الأخلاق فعـرف أنّ هـذه المـرأة المتخفيـة لهـا قـدر عظيـم وهيبـة النبـوة والإمامـة تشـع منهـا، وقـام يكلّمهـا شـامتاً بهـا فقـال ابـن
زيـاد: «مـن هـذه التـي انحـازت ناحيـة ومعهـا نسـاؤها؟» فلـم تجبـه زينب(ع) ذلك لأن الطاغيـة ابـن زيـاد هـو أسـفه السـفهاء، ويسـتحق فـي نظـر الحـوراء زينـب(ع) ونظـر الأحـرار الشـرفاء الإهانـة والتحقيـر.
فأعاد القــول ثانيــة وثالثــة يســأل عنهــا وهــي لــم تكلمــه ولــم تــرد عليــه جواباً وإنمـا كلمتـه أحـد إمائهـا فقالـت: (هـذه زينـب بنـت فاطمـة بنـت رسـول الله صلـى الله عليـه وآلـه وسـلم)[8].
وعندمـا سـمع بذكـر زينـب(ع) وهـو يعـرف مـن هـي زينـب ومـن أبيهـا ومـن هـم إخوتهـا وماهـو مقامهـا، أراد أن يفجـع قلبهـا ويدميـه فقـال الطاغيـة: (الحمـد لله الذي فضحكـم وقتلكـم وأ كـذب أحدوثتكـم). يقصـد بـذلك الإسلام أي أن الإسلام مجـرد أحدوثـة بـل هـي كذبـة لا حقيقـة لهـا.
فهـذه عقيلـة بنـي هاشـم تعمـل بوصيـة الحسـين(ع) عندمـا قـال لهـا وللبلاء فاسـتعدوا ولا تقولـوا أو تعملـوا مـا ليـس بشـأننا.
          ففـي كل عصـر يظهـر لنـا قـدوة مـن الرجـال والنّسـاء نقتـدي بهـم وكل حسـب تخصّصـه فتـارة يكـون هناك أشـخاص نقتـدي بهم في السياسـة ونتّبعهم ونجعلهم ملهميــن لنــا، وتــارة يوجــد هنــاك أشــخاص نقتــدي بهــم فــي علم الإقتصــاد ممــا قدّمـوه مـن خدمـات ونظريـّات سـاهموا فـي تطويـر الجانـب الإقتصـادي أو نقتـدي بأشـخاص كانـوا لنـا المثـل فـي الأخلاق والإيثار...،لكـن عقيلـة بنـي هاشـم تحمـل جميـع الصفـات النبيلـة والأخلاق الجميلة وأسـمى وأرقى أنواع الصّبـر على البلاء، وأنهـا حافظـت علـى مـا أوكل لهـا مـن مهـام متمثّلـة بالحفـاظ علـى النّسـاء والسـبايا مـن الأطفـال والدفـاع عـن سـليل النبـوّة وبقيّـة الإمامـة زيـن العابديـن(ع). ومـع كل هـذه المهـام فقـد أعطـت النمـوذج الكامـل للمـرأة المسـلمة العفيفـة الطّاهـرة لأنهـا سلام الله عليهـا ربيبـة النبـوّة وسـليلة الرسـالة، وعالمـة غيـر معلمـة كمـا قـال عنهـا الإمـام زيـن العابديـن(ع): (وأنـت بحمـد الله عالمـة غيـر معلمـة)[9].
وهنا تطرح عدة أسئلة وهي:
هل المحجبة يقيدها حجابها؟
هل تستطيع الدفاع عن نفسها أو عن غيرها؟
هل يمكن لامرأة مخدرة ومحجبة أن تقدم دوراً فعّالاً وذا أهمية للمجتمع؟
هل الحجاب يعني التخلف والتأخر للمرأة المسلمة الملتزمة بدينها؟
هـذه أسـئلة تُطلـق للذيـن تـدور فـي أذهانهـم ممـا يـروه مـن تجـدّد فـي الحيـاة والتطـوّر التكنولوجـي حيـث أصبـح ولـوج المـرأة فـي السـاحات الإجتماعيـّة ضرورة ملحّـة للمجتمـع وسـوف يجيـب البحـث عـن هـذه الأسـئلة مـن خلال اسـتقصاء مسـيرة ومواقـف السـيدة زينـب(ع) التـي أكملـت مسـيرة الإمـام الحسـين(ع).
          إنّ الإسلام عندمــا حــلّ نــوره علــى أقطــار الأرض جــاء بالعدالــة والحريـّـة والحقـوق لجميـع المخلوقـات حتـى الأرض لهـا حقـوق فـي الإسلام، فمـا بالـك إذا كان المخلـوق هـو إنسـان وامـرأة ضعيفـة البنيـة فلا يتـرك حقوقهـا بلا شـك، لذلـك فإن المــرأة ليســت ســجينة الحجــاب ولا ســجينة البيــت و إنمــا ســجينة الظلم الـذي مـرّ عليهـا علـى مـر العصـور.
          ومـن هـذا المنطلـق فقـد أعطـى الإسلام حقوقهـا كاملـة فلهـا حـق الإسـتقلاليّة والحريـّة وحـق الرفـض والإختيـار وإبـداء رأيهـا والإنفـاق والتملـك والبيـع والتجـارة ولهـا حـق التعلـم والتعليـم.
هنـاك حقـوق وواجبـات يتشـارك فيهـا كلا الجنسـين، وأيضـا توجد مـن الحقوق والواجبـات والمهـام الإجتماعيـة خاصة لـكل واحد منهما.
          مــن هنــا اهتــم الإسلام بجميــع تفاصيلهــا ودقائقهــا، ولا يمكــن ســرد جميــع هــذه المهــام الخاصــة والعامــة ولكــن بصــورة مطلقــة ســوف نقــول أنّ المجتمــع يحتـاج إلـى المـرأة كاحتياجـه للرّجـل ولكـن بحـدود طبيعـة المـرأة السـيكولوجية وبنيتهـا الفطريـّة والتـي أوجدهـا الله تعالـى، فلا يمكـن أن تكـون المـرأة حاملة صخور أو عاملـة مناجـم علـى سـبيل المثـال، لأن هـذا خـارج عـن طبيعتهـا، فطبيعـة بنيتهـا الجسـديّة لا تتحمـل مثـل هكـذا أعمـال ومهـام.
فــإنّ الإسلام أعطــى لــكل مــن الجنســين الذكــر والأنثــى حقوقاً وفــرض عليــه واجبـات تتـلاءم مـع تكويـن كل واحـد منهمـا والوظيفـة الملقـاة على عاتقـه في هذه الحيـاة فـي تكويـن المجتمـع الإنسـاني، ولـم يفـرّط فـي أحـد علـى حسـاب الآخـر فــكل مــن الرجــل والمــرأة مكمّل لبعضهمــا الآخــر، فقــد قســم بينهمــا الواجبــات والمسـؤوليات وضمـن لهمـا حقوقهمـا.
          مــن هنا لا يمكــن أن يســتغني المجتمع عــن خدمــات المــرأة خصوصاً المجتمــع الإسلامي المحافــظ، وذلــك لأنــه يحتاج إلــى الطبيبــة التــي تــداوي النّسـاء، ويحتـاج إلـى الممرّضـة المسـعفة كذلـك يحتـاج إلـى الخيّاطـة ويحتـاج إلــى المدرّســة التــي تعلـّـم النّســاء أصــول ومبــادئ الحيــاة والحلال والحــرام، وتعلّمهـم أمـور دينهـم كمـا ورد فـي صحيحـة عبـد الرحمـن بـن الحجـاج عـن أبـي عبـد الله(ع) ـ فـي حديـث ـ قـال: (قلـت لـه: إنّ معنـا صبيّاً مولوداً، فكيـف نصنـع بـه؟ فقـال: مُر أمّـه تلقـى حميـدة فتسـألها كيـف تصنـع بصبيانهـا؟ فأتتها، فسـألتها كيـف تصنـع؟ فقالـت: إذا كان يـوم الترويـة فاحرمـوا عنـه، وجـرّدوه، وغسّـلوه كمـا يجـرّد المحـرم، وقفـوا بـه المواقـف، فـإذا كان يـوم النحـر فارمـوا عنـه واحلقـوا رأسـه، ثـمّ زوروا بـه البيـت، ومُـري الجاريـة أن تطـوف بـه فـي البيـت وبيـن الصفـا والمـروة)[10].
          يتضـح مـن الصحيحـة أن الإرجـاع إلـى حميـدة كان إرجاعـا لأخـذ الحكـم لا فـي أخـذ الحديـث، إذ لـم تنقـل للمـرأة حديثـاً أو تـروي لهـا روايـة، بـل أعطتهـا حكمـاً شـرعياً، يـدل علـى أن المقـام مقـام إفتـاء وتقليـد لا مقـام روايـة أو نقـل[11].
ونجـد الكثيـر مـن النمـاذج النسـوية ممـن شـاركن فـي العمليـة السياسـية، ولا يمكـن نكـران دورهـن الفعّال فـي كيفيـة إرسـاء الإسلام وثباتـه علـى الواقـع آنـذاك، ممـا يـدل علـى أنّ مجـرد كـون المـرأة أنثـى ومحجبـة لـن يكـون عائقـاً أمـام مسـيرتها وتطورهـا، وقيامهـا بدورهـا إجتماعيـاً وسياسـيا أو اقتصاديـا وإنمـا العائـق الوحيد لها هـي العـادات والتقاليـد العميـاء التـي لا أسـاس لهـا فـي الإسلام. فنجـد السـيدة خديجــة التــي أســلمت وكانــت أول النســاء دخــولا للإسلام،قد شــاركت فــي تثبيـت الإسـام سياسـياً واقتصاديـاً، ودافعـت عنـه بـكل مـا تملـك.
والسـيّدة سـميّة كانـت أيضـا مثـالاً رائعـاً للمـرأة النمـوذج وهـي تُعـَذّب تحـت سـياط الكفـار، وتنطـق بكلمـة التوحيـد، حتـى فارقـت الحيـاة وتحمّلـت العـذاب ولـم تغيـّر موقفهـا، بـل يفتخـر الإسلام وخاصـة النسـاء أن أول شـهيد عـن العقيـدة فـي الإسلام كانـت امـرأة وهـي سـميّة. تقـول الكاتبـة أسـماء محمـد أحمـد: (هـذه المسـألة هـي مسـألة قـدرة واسـتطاعة... ولقـد تقـدر المـرأة فـي مواقف لا يقـدر عليها كثيـر مـن الرجـال... وأن هـذه المواقـف هـي فـي سـبيل عقيدتهـا والتـي هـي أقـوى الأدلّة علـى أن المسـؤوليّة الإيمانيّـة عندمـا كانـت جـزء مـن الإعتقـاد نفسـه)[12].

السيدة زينب (ع) النموذج الكامل للمرأة الرسالية

          والســيّدة زينــب(ع) هــي النّمــوذج الكامــل للمــرأة المســلمة التــي يُحتــذى بهــا ويتأســى بســيرتها المباركــة، فرغــم حرصهــا الشــديد علــى العفّــة والحجــاب والتّقـوى وتجنّـب الرجـال، إلا أنهـا عندمـا احتاجهـا المجتمـع الإسلامي وشـعرت بمسـؤوليتها فلـم تـدر وجههـا وتتنصـل عن مسـؤوليتها وتتـرك ماتراه في اسـتطاعتها أن تفعلـه مـن الدفـاع عـن نفسـها وعـن غيرهـا وأن تكشـف الظلـم وتقلـب موازيـن الحكـم وتفضـح أمـر يزيـد وأعوانـه، وأعطـت دوراً سياسـيّاً مهمّـاً، ودرسـاً أخلاقيّاً فـي العفّـة ودوراً إجتماعيـاً فـي مسـيرتها العاشـورية (فــي تاريخنــا الإسلامي نمــاذج شــامخة وصــور مشــرقة للمــرأة ودورهــا السياســي والإجتماعــي فــي الأمــة ومــن أبــرز هــذه النمــاذج التــي نحتفــل بذكراهــا فــي أيــام عاشــوراء والتــي مثّلــت الــدّور المكمّــل والقيــادي لركــب الإمــام الحســين، هــي بطلــة كربلاء الســيّدة زينــب بنــت الإمــام علــي (ع))[13]، فزينب (ع) هي قدوة المرأة الرسالية.

          يقـول السـيد بحـر العلـوم: ورغـم أن زينـب(ع) عاشـت فـي بيـت الزوجيـة، لكـن الـزواج لـم يشـغلها عـن تحمّـل مسـؤوليات بيـت أبيهـا علي، فهـي بنـت الزهراء، وحفيــدة خديجــة، وتحمّل المســؤولية مــن خصــال ربــات هــذا البيــت. وزينــب عقيلــة بنــي هاشــم، وســيّدة البيــت العلــوي وزعيمــة القــوم، رغــم أنهــا تزوجــت وانتقلـت إلـى بيـت ابـن جعفـر إلّا أنّهـا لـم تتخـل عـن المسـؤولية، لتديـر بيـت أبيهـا، وتهتـم بشـؤون أخويهـا وتصبـح المسـؤولة عنهـم أولاً وآخـراً.[14]

          وكانـت عقيلـة بنـي هاشـم تنشـر المعرفـة فـي جميـع أوسـاط المجتمـع لنشـر الوعــي والثقافــة الإسلاميّة، وقد عهــد الإمــام علــي(ع) إلــى ابنتــه العقيلــة زينــب (ع) أن تتصــدى لتعليــم النســاء وأن تبــث المعرفــة والوعــي فــي صفوفهــن فكانـت العقيلـة زينـب تفسـر لهـنّ القـرآن الكريـم، وتـروي لهـن أحاديـث جدهـا المصطفـى(ص) وأخبـار أمهـا الزهـراء(ع) وتوجيهـات أبيهـا المرتضى(ع). فقـد ورد أنـه كان لهـا مجلـس فـي بيتهـا أيـام إقامـة أبيها(ع) فـي الكوفـة، وكانـت تفسـر القـرآن للنسـاء وقـد دخـل عليهـا أبوهـا ذات يوم وهي تفسـر بداية سـورة الكهف وسـورة مريم ( كهيعص)[15].

الدورالسياسي للسيدة زينب (ع) والدفاع عن الولاية

          لا يخفـى دور عقيلـة بنـي هاشـم فـي دفاعهـا عـن الولايـة وعـن الحـق الإلهـي والخـط الرسـالي، حيـث كانـت لهـا الأسـبقية فـي ذلـك بعـد مولاتنـا خديجـة(ع) و التــي عرفــت بدفاعهــا وحمايتهــا للرســول(ص) بأموالهــا وقوتهــا وشــجاعتها بعــد أمهــا الزهــراء بنــت رســول الله(ص)، ودفاعهــا عــن أميــر المؤمنيــن(ع) وخروجهــا للمســجد حيـث تجمـع المسـلمين وخطبـت بخطبتهـا الشـهيرة لتلقـي عليهـم الحجـة.

          فقـد تجلّـت سـيّدة نسـاء العالميـن فاطمـة الزهـراء(ع) في مولاتنـا زينب(ع) وورثـت هـذه الصفـات الرفيعـة مـن الشـهامة والوقـوف أمـام الظالـم المنتهـك للحـق والإنســانيّة، لذلك تذكــر لنــا الروايــات وكتــب التاريــخ أن خــدر المخــدرات بــرزت كمدافعـة عـن حريـم الولايـة وأصحابهـا، منـذ عهد أميـر المؤمنيـن الإمـام علـي(ع) عــن توليــه الخلافــة وهــو عهــد عُـرِف بكثــرة المنافقيــن، لذلــك فهــي مهيّئــة ليــوم عاشـوراء، ومهيئـة للقيـام بمهـام الحفـاظ والدّفـاع وتوكيـل أمـر نقـل صـوت الحـق وقلـب الموازيـن.

          والتاريــخ يذكــر لنــا أن عقيلــة الهاشــميين دافعــت عــن حريــم الولايــة، حتّــى فـي زمـن والدهـا الإمـام علـي(ع) فقـد روي أن أميـر المؤمنيـن(ع) لمّا توجـه لقتـال الناكثيـن الذيـن نكثـوا بيعتـه وانقلبو عليـه فـي البصـرة، وقـال فـي حقّهـم كلامـاً جاء فيـه «... والله، إنّ طلحـة والزبيـر لَيعلَمـان أنّهمـا مُخطئـان ومـا يجهلان، ولربمـا عالـم قتله جهله وعلمه معـه لا ينفعـه! والله لينبحنّها كلاب الحوأب، فهل يَعتبر مُعتبر، أو يتفكر متفكر؟! ثـم ُ قـال: قـد قامـت الفئـةُ الباغيـة، فأيـن المحسـنون؟»[16]

وأنّ عائشــة أرســلت إلــى حفصــة كتابــاً تقــول فيــه:« مــا الخبــر مــا الخبــر؟! إنّ عليّاً كالأشقر، إن تَقَدّم عُقِر وإن تأخّر نُحِر. فجمعـت حفصـة نسـاء قومهـا وصـرن يّضرِبنَ بالدّفوف ويردِّدن ذلك الكلام، فأُخبرت زينب(ع) بذلك، فعمدت إلى الخـروج إليهـن وخرجـت تحـفُّ بهـا الإمـاء ومعهـا أم سلمة زوجـة رسـول الله عليـه وآلـه وأم  أيمـن، حتّى دخلـت علـى النسـوة فلما رأتهـا حفصـة اسـتحيت وفرّقــت النســاء فقالــت لهــا زينــب(ع): «إن تظاهرتمــا علــى أبــي فلقــد تظاهرتمــا علـى رسـول الله صلى الله عليـه وآلـه من قبـل» فاسـتحيت النسـاء وتفرقـن، وعـادت السـيدة زينـب(ع) إلـى بيتهـا»[17]

          وكانـت تدافـع عـن خـط الولايـة مـن خلال خطبتهـا فـي الكوفـة أمـام النـاس الذيــن خانــوا العهــد مــع الإمــام الحســين(ع) فوبختهــم ووبخــت يزيد، حيــث لا يسـتطيع الرجـل أن يقـول ممّـا قالته، مـن إيصـال صـوت الإمام الحسـين(ع) وإحياء ديــن الإسلام، الــذي كاد أن ينهــار وينســى ويصبــح حبــر علــى ورق لــولا قيــام النهضـة الحسـينية ولـولا صرخـة زينـب(ع) ضـدّ هـذا الظلـم. وتحركاتهـا كانـت مكملـة لمسـيرة الإمـام والحلقـة الثانيـة لسلسـة حلقـات الحفـاظ علـى هـذا الدين، ولـولا خطـاب زينـب(ع) وشـجاعتها وقبولهـا المهـام مـن بعـد أخيهـا لـكان قيـام الإمــام الحســين غيــر كامــل، ولكــن شــاء الله أن يراهــن ســبايا لفضــح الإســتكبار والظلـم لهـذا فإنّ السـيدة زينب(ع) كانـت تلقَّـب بنائبـة الحسـين(ع) [18] لأهميّة ما فعلتـه والنتائـج التـي أثمـرت مـن خلال دورهـا السياسـي الفعّال فـي قلـب موازيـن

الســلطة. وعلــى النســاء أن يفتخــرن ويرفعــن رؤوســهنّ أنّ الــذي حفــظ كرامتهــن وعفتهـن ودافعـت وحمـت عـن الديـن والولايـة هي امـرأة ضعيفة البنيـة، فأصبحت مواقفهـا تـرد علـى كل مـن يقـول ما للنسـاء والسياسـة بحجّـة إبعادهن عن السياسـة.

          وأنّ عقـل وإدراك السـيّدة زينـب(ع) فـاق عقـول الرجـال إذ أن إمـام زمانهـا وهـو الإمـام الحسـين(ع) يوصيهـا ويـوكل لهـا مهـام صعبـة لا يسـتطيع أي أحـد القيـام بهـا ومـع وجـود إمـام معصـوم كالإمام السـجاد(ع) أمـر أخته بالحفاظ عليـه وحمايته حتــى لا تخلــو الأرض مــن الحجــة ومــن نســل آل محمــد(ص)، فــأي عقــل امتلكــت مولاتنـا وأي حكمـة وأي علـم، حتـى قلبـت الموازيـن بموقفهـا الـذي أصبـح قـدوة للنسـاء والرجـال معـاً.

          ومــن الشــرف الــذي لا يلحقــه شــرف أن الإمــام الحســين (ع) ائتمــن أخته العقيلة(ع) علـى أسـرار الإمامـة وهـذا مـا اسـتندت بـه هـذه الروايـة التـي رواها الشـيخ الصـدوق بإسـناده إلـى أحمـد بن إبراهيـم، قال: (دخلت علـى حكيمة بنت محمد بـن علـي الرضـا أخـت أبـي الحسـن ( علـي الهـادي ) العسـكري عليهـم السـلام فـي سـنة  262هــ بالمدينـة، فكلمتُهـا مـن وراء حجـاب وسـألتُها عـن دينهـا، فسمّته لي مَن تأتـم بهـم، ثـمّ قالـت: فلان ابـن الحسـن عليـه السّلام، فسمّته (يقصـد سمّت الإمـام الحجّة بـن الحسـن العسـكري(ع).

فقلت لها: جعلني الله فداكٍ، مُعاينةً أو خبَراً؟

فقالت: خبراً عن أبي محمّد عليه السلام كتب به إلى أمه.

فقلت لها: فأين المولود؟

فقالت: مستور.

فقلت: فإلى من تَفزَعُ الشيعة؟

فقالت: إلى الجدّة أم أبي محمد عليه السلام.

فقلت لها: أقتدي بمن وصيّته إلى امرأة؟!

فقالــت: اقتــداء بالحســين بــن علــي (ع)؛ إن الحســين بــن علــي (ع) أوصــى إلى أختـه زينـب بنـت علـي بـن أبـي طالـب (ع) فـي الظاهـر، وكان مـا يخـرج عـن علـي بـن الحسـين (ع) مـن علـم يُنسَب إلـى زينـب بنـت علي، ستراً علـى علي بن الحسـين عليـه السلام. ثـم قالـت: إنكـم قـومٌ أصحـاب أخبـار، أمـا رويتم أن التاسـع مـن ولـد الحسـين (ع) يقسم ميراثـه وهـو فـي الحيـاة».[19] وروي أنــه كانــت لزينــب (ع) نيابــة خاصــة عــن الحســين (ع)، وكان النــاس برجعون إليهـا فـي الحلال والحـرام، حتى بـرئ زيـنُ العابديـن(ع) مـن مرضـه[20].

الخاتمة

          إنّ السـيّدة زينـب (ع) قـدوة يقتـدي بهـا الرجال قبل النسـاء، ومن خلال دورها الولائـي فمـن حـق الرجـال والنسـاء معـاً أن يفتخـروا بدينهـم الـذي أعطـى حقـوق مــن ضاعــت حقوقــه علــى مرالعصــور، حيــث جعــل الديــن الإسلامي مــن المــرأة كائنــاً مقتــدراً، وانعكــس ذلــك مــن خلال شــخصية ومســيرة الســيدة زينــب(ع) وأصبحـت النمـوذج الأمثـل الـذي يحتـذى بـه.

 

[1] زينب الكبرى بطلة الحرية، أبو القاسم الديباجي، ص5 ط. الثانية، بيروت، البلاغ، 1417، 15/السيد نور الدين الجزائري، الخصائص الزينبية ص44.

[2] باقر شريف القرشي، زينب رائدة الجهاد في الإسلام، ص3.

[3] وفيات الأئمة، تأليف: مراجع من العلماء الأعلام، ص436.

[4] المصدر السابق، ص435.

[5] محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص133.

[6] محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص133.

[7] من قصيدة للسيّد عبدالمطلب الحلّي ذكرت في شعراء الحلة3، موقع مجمع جهاني أهل بيت، النادي الإسلامي والمناسبات الوطنية.

[8] زينب الكبرى عليها السلام من المهد إلى اللحد، محمد كاظم القزويني، مأخوذ من كتاب الإرشاد للمفيد، 347.

[9] بحار الأنوار، محمدباقر المجلسي ج45، ص164. الإحتجاج، الطبرسي ص31.

[10] وسائل الشيعة، محمد بن الحسن الحر العاملي، ج11 ص286، ح1.

[11] انظر: فقه المرأة: اشكالياته وتحدياته، مهدي مقريزي، ص9.

[12] دور المرأة السياسي، أسماء محمد أحمد زياد، ص121.

[13] السيّدة زينب بطلة كربلاء قدوة المرأة الرسالية، عبدالحسين السلطان، موقع سماحة الشيخ أنصاريان.

[14] المصدر السابق، ص من 113 من كتاب: في رحاب السيّدة زينب، بحر العلوم ص37.

[15] المرأة العظيمة، حسن الصفار، ص116، مأخوذ من كتاب: زينب الكبرى، محمد جعفر النقدي، ص36.

 

[16] بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج32، ص113.

[17] السيدة زينب رائدة الجهاد في الإسلام، باقر شريف القرشي، ص6، مأخوذ من: زينب الكبرى محمد جعفر النقدي ص25.

[18] فاطمة بهجة قلب المصطفى، أحمد الرحماني الهمداني، ص6.

[19] بحار الأنوار، محمدباقر المجلسي، ج51 ص364، الأنوار البهية الشيخ عباس القمي ص 251.

[20] وفيات الأئمة، من علماء البحرين والقطيف، ص241.

 

التعليقات