مقالة

دراسة لخطبتي السيّدة زينب (ع) وعلاقتهما بالأنثروبولوجيا الإجتماعية الثقافية في مجتمعي الكوفة والشام

دراسة لخطبتي السيّدة زينب (ع) وعلاقتهما بالأنثروبولوجيا الإجتماعية الثقافية في مجتمعي الكوفة والشام

02 Mar |2024

إنّ الهــدف مــن دراســة ســيرة أهــل البيــت عليهــم السلام، هــو الإقتــداء بهــم والسـير فـي طريقهـم فهـم أصـل الرسـالة المحمديـة التـي بعـث بهـا خاتـم النبييـن، تلـك الرسـالة التـي ختـم بهـا الله رسـالاته للبشـر لشـموليتها وعظمـة مـا تحملـه مـن قيـم ومعانـي سـامية. إنّ الســيّدة زينــب(ع) ســطّرت ملاحــم فــي عاشــوراء عجــز عــن الإتيــان بهــا بشـر، وحملـت علـى عاتقهـا أداء الأمانـة وتبليـغ الأهـداف، لـذا كان مـن المهـم جـداً التطـرق لهـذا الفصـل مـن حيـاة السـيّدة وهـو رحلتهـا مـن كربلاء إلـى الشـام. فرحلتهـا (ع) تزخـر بالعطـاء وخاصّـة عطائهـا فـي الخطـاب والتبليـغ كان لـه وقـع خـاص وأثـر بالـغ الأهميـة، فوجـب التفصيـل فـي خطبهـا عليهـا السلام؛ لأنهـا لا تنطــق عــن هــوى أو جهــل، ولأنهــا عالمــة غيــر معلمــة، وكان مــن الازم التطــرق للجـذور التاريخيـة للشـعوب التـي عنتهـم تلـك الخطـب ووجّهـت لهـم، ومـن ثـم توضيـح الربـط بيـن أصولهـم وثقافاتهـم وتربيتهـم وبيـن الكلمـات التـي نطقـت بهـا ابنـة أميـر المؤمنيـن، فـكل كلمـة فـي محلّهـا، وكل حـرف مسـتحق لموقعـه، ولتنـوع الأسـاليب والتخفيـف والتصعيـد مـن حـدة الـكلام، لـه أثـره البالـغ فـي تحصيـل النتائـج، فعلـى مقتضيـات أنثروبولوجيـا الشـعوب بُنِيـت الأسـاليب وتنوعـت فـي خطــاب الحــوراء (ع).

المقدمة

      هـي زينـب الكبـرى، تلـك المـرأة الجليلـة، وُلـدت فـي أحضـان جدّهـا رسـول الله الـذي سـمّاها زينـب كمـا أمـره الله تعالـى بذلـك، وربّتهـا أمهـا فاطمـة الزهـراء عليهـا السلام. كبـرت وترعرعـت فـي كنـف والدهـا مـع أخويهـا الحسـن والحسـين سـيّدي شـباب أهـل الجنـة.

نعــم نشــأت الســيدة زينــب فــي أحضــان أبوهــا علــي بــن أبــي طالــب أميــر المؤمنيـن وسـيد البلغـاء والمتكلميـن، وكفـى بذلـك أن يجعلهـا كمثـل حيـدر فـي الفصاحـة والبلاغـة فتجـري الكلمـات علـى لسـانها جريـاً عـن علـم ووعـي وقـدرة.

      إنّ الباحـث فـي سـيرة السـيّدة زينـب عليهـا السلام أو سـيرة الحسـين عليـه السلام، لا يمكـن أن يتجاهـل أو يتغافـل عـن فصـول السـبي الحزينـة التـي مـرّت بهـا السـيّدة، لا لشـدّة الحـزن وهـول والمصـاب؛ بـل وأن هـذه الرحلـة مـن كربـلاء إلـى الشـام هـي رحلـة مفصليـة فـي قضيـّة عاشـوراء الخالـدة ولولاها لمـا اكتملت فصول الحكايـة ولكانـت الرسـالة ناقصـة، ولـكان الهـدف غيـر محقـق.

      وعنــد تصفحــي لســيرة الســيّدة زينــب عليهــا السلام وقفــتُ عنــد خطبتيهــا الرئيستين، وطبقاً لسيرتها تلك المرأة العظيمة التي توصف بالعلم والمعرفة، أقول بأنّ تلـك الأحـداث والخطـب لـم تـأتِ عبثاً ولا عن هوى، فلابـد من أن تكون كل الحركات مدروسـة، وكل الكلمـات موزونـة ومقصـودة ومبنيـة على أسـباب وأحداث ومقتضيات معينـة. وهكـذا راودتنـي الأسـئلة التـي لـم أجـد في كتب السـيرة أجوبتها بشـكل واضح وصريـح فـي معظـم الكتـب التـي اطّلعـت عليهـا: فلمـاذا خطبـت السـيدة فـي النّـاس أصلاً؟ ومـا هـي حقيقتهم وماضيهـم؟ ولماذا تنوّعت الأسـاليب التي اسـتخدمتها في خطبتيها؟ ولماذا استخدمت أساليب في خطبة الكوفة ولم تستخدمها في خطبتها في الشـام؟.... والكثير من التسـاؤلات التي بذلتُ ما في وسـعي للبحث عن إجابات واضحـة وصريحـة لهـا، وتجميعها في هـذا البحـث المتواضع.

المفاهيم العامة

الخطبة:

     ورد فـي معجـم المعانـي الجامـع ( خَطَبَ في الجمهـور أي ألقى حديثاً وكلاماً) والخِطبَـة هـي قطعـة مـن الكلام توجه إلـى جمهور من الناس لإعلامهـم و إقناعهم.

وورد فـي المعجـم العربـي أنّ الخطبـة هـي فـن الإقنـاع والإدهـاش بالـكلام أو الكتابـة. وقـد تعنـي الخطبـة أيضـاً كل كلام أو كتابـة يتفنـن فيـه أو يغمـر الوجـدان، وقـد اصطلـح العلمـاء علـى أنّ الخطبـة هـي الـكلام المؤلّـف الـذي يتضمـن وعظـاً و إبلاغـاً علـى صفـة مخصوصـة.

      يقـول سـهيل بـركات العاملـي فـي كتابـه «دليـل القـرّاء فـي الخطابـة والعـزاء» أنّ التّعريـف الأمثـل للخطابـة هـو: «إنهـا فـن ممكـن، وأداة مقولبـة تتحقـق مـن خلالهـا غايات كبرى».

الأنثروبولوجيا:

      هــو مصطلــح يعنــي علــم دراســة مختلــف جوانــب البشــر فــي المجتمعــات الماضيـة والحاضـرة. وهـو علـم الإنسـان الإجتماعـي وعلـم الإنسـان الثقافـي اللّـذان يدرسـان قيـم ومعاييـر المجتمعـات.

نحتـت الكلمـة مـن كلمتيـن يونانيتيـن همـا (anthropo)ومعناهـا «الإنسـانغو»(log) ومعناهــا «علــم». وعليــه فــإن المعنــى اللفظــي لاصطلاح الأنثروبولوجيــا (anthropology) هــو علــم الإنســان.

خطبتها (ع) في الكوفة
      تعتبــر الكوفــة والإنتكاســة المروعــة التــي حصلــت بهــا، مــن أهــم أحــداث نهضـة الإمـام الحسـين بعـد وقائـع اليـوم العاشـر مـن محـرم حيـث استشـهد الإمـام وأصحابــهفلابــد مــن التوقــف عنــد مفــردات وملابســات هــذا الحادث والتأمــل فــي مجرياتــه مــن خلال تسلســلها الزمنــي والأشــخاص اللّذيــن ســاهموا فــي وقائعــه ومجرياتــه [1].

تأسيس الكوفة:

      قــام ســعد بــن أبــي وقــاص بتشــييد الكوفــة مــا بيــن ســنة 15و17 و 19 هجريــة حســب الإختلاف فــي الروايــات التاريخيــة، بأمــر مــن الخليفــة الثانــي. وكان تأســيس الكوفــة مــن الضــرورات التــي اقتضتهــا ظــروف الحــرب والفتوحــات فــي زمـن عمـر، وذلـك لأنّه لمّـا وصـل المسـلمون إلـى بـلاد إيـران بقيـادة سـعد بـن أبـي وقـاص اقتضـت الضـرورة بـأن تكـون لهـم نقطـة وصـل وربـط بينهـم وبيـن المدينـة
المنـورة وأن يجعـل ذلـك بمـكان لا يكـون بيـن عمـر الخليفـة الثانـي وبينهـم بحر [2]. وقــد أُسّســت هــذه المدينــة لتكــون معســكر للمقاتليــن الذيــن جــاؤوا لغــرض الحـرب وتوسـيع رقعـة بلاد المسـلمين، أي أنهـا جمعـت خليطاً من القبائـل العربية مـن الحجـاز واليمـن والعـراق والفـرس، وجميـع هـؤلاء تثقفـوا علـى طاعـة الحاكـم وقائـد الجيـش وغيرهـا مـن الرتـب العسـكرية بمعنـى: لا ينظـر أولئـك إلـى الجانـب العقائـدي أو الإجتماعـي أو العلمـي للمعسـكر الآخـر، فهذه الأمور لـم تحط باهتمام المقاتلـة، لكونهـم يخضعـون للأمـر العسـكري الـذي لـه مفهـوم واحـد؛ وهـو الطاعـة، ومصــداق واحــد؛ وهــو التنفيــذ حتــى ولــو كان الــذي يريــدون مقاتلتــه ابــن بنــت نبيّهـم صلـى الله عليـه وآلـه وسـلم. وكان هـذا هـو السـبب الأول الـذي ارتكـزت عليـه مقاتلتهـم للإمـام الحسـين فـي يـوم عاشـوراء، وهـي الامتثـال للأمـر العسـكري دون اسـتحضار حـق المراجعـة والمناقشـة لمـا تصـدره قيـادة الجنـد مـن أوامـر [3].
      السـبب فـي اختيـار الكوفـة عاصمـة لحكومـة الإمـام عليـه السلام: عن حسّـان بن مهران قال: سـمعت أبا عبدالله الصّادق (ع) يقول: قال أميرُ المؤمنين (ع) مكَّة حرمُ اللهِّ والمدينةُ حرمُ رسول اللهِّ والكوفةُ حرمي لا يُريدُهَا جبّارٌ بحادثةٍ إلّا قصَمَه الله. ورُوي عن عدَّةٍ من أَهل الرِّيِّ أَنَّهُم دخلُو  على أبي عبدالله الصّادق (ع) فقال: إنَّ للهِّ حرماً وهو مكَّة وإنّ للرّسول حرماً وهو المدينةُ وإنّ لأميرِ المؤمنين حرماً وهو الكوفةُ وإنّ لنا حرماً وهو بلدةُ قم.
      هنــاك مجموعــة مــن العوامــل التــي دعــت أميــر المؤمنيــن (ع) للإنتقــال مــن المدينــة المنــورة إلــى الكوفــة واتّخاذهــا عاصمــة لحكمــه، منهــا:
1. ضعـف العامـل الإقتصـادي فـي كل مـن المدينـة المنـورة ومحيطهـا الإقليمـي بنحـو لا يؤهلهـا لتحمـل مسـؤولية تأميـن الدعـم الاقتصـادي لمعاركـه الثلاث ضـد الناكثيـن والقاسـطين والمارقيـن، علـى العكـس مـن الكوفـة التـي فيهـا مـا يؤهلهـا لدعـم المعركـة و إسـناد الجنـد بشـكل جيـد.
2. ضعـف العنصـر السـكاني فـي المدينـة فإن عـدد سـكان المدينـة لا يُمكّنهـا مـن إعـداد قـوة قتاليـة كبيـرة بإمكانهـا مواجهـة العسـاكر الأمويـة فـي الشـام، في حين نـرى الكوفـة قـادرة بطبيعتهـا السـكانية علـى تلبيـة هـذه الحاجـة الضروريـة.
3. يوجـد فـي المدينـة مـن هـو بعيـد عـن أميـر المؤمنيـن (ع) فكـراً وولاءً، بـل يـرى نفسـه بـإزاء أميـر المؤمنيـن مـن ناحيـة المنزلة الدينيّة والسياسـيّة، علـى العكس من المجتمـع الكوفي.
4. غلبــت علــى المجتمــع المدنــي خلال حكــم الخلفــاء الثلاثــة روح الدعــة والميـل للحيـاة الرغيـدة ممـا جعلهـم بعيديـن عـن روح التضحيـة والفـداء وقطـع البـراري والقفـار كدعـاة ومبلّغيـن للرّسـالة وحامليـن سلاح الدّفـاع عن قيم الرسـالة.
5. كثرة الصحابة الذين اختاروا السكن في الكوفة دون سائر البلدان الإسلامية.
6. تمتـع الكوفـة بموقـع جغرافـي اسـتراتيجي يجعلهـا تحتـل موضـع القلـب للعالـم الإسلامي بيـن إيـران والحجـاز والشـام ومصـر.
وحينمـا قـدم الإمـام إلـى الكوفـة وجـد هنـاك فريقيـن مـن القـادة: الفريـق الأول: المتمثــل بالثورييــن المندفعيــن نحــو منازلــة معاويــة والقضــاء علــى تمــرده ومــن أبـرز هـؤلاء مالـك الأشـتر النخعـي.

الفريـق الثانـي: المتمثـل بالشـيوخ والقـادة غيـر مياليـن للحـرب إلا أنهـم سـايروا الإمـام فـي حركته حفظاً علـى مكانتهم ومصالحهم الشــخصية والفئويــة. وهنــاك طائفــة أخــرى تمثــل شــريحة واســعة مــن المجتمــع الكوفـي فهـي مـع ميلهـا الروحـي والنفسـي لأميـر المؤمنيـن إلّا أنّهـا لا تريـد التـورط بمشـاكل الحـرب وقـد أشـار (ع)  إلـى هـذا الطّيـف مـن النـاس فـي أكثـر مـن خطبـة مـن خطـب نهـج البلاغـة. وقـد أظهـر عليـه السلام تبرمـه وتنفـره مـن تقاعـس هـؤلاء فـي مواجهـة الشـاميين بقيـادة معاويـة [4]، حتـى أنـه(ع)  واجههـم بحقيقـة تخاذلهـم وإحجامهـم عـن الإقـدام علـى مواجهـة العـدو بقولـه: (ألا و إنـي دعوتكـم إلـى قتـال هؤلاء القـوم ليـلاً ونهـاراً وسـراً و إعلاناً، وقلـت لكـم: اغزوهـم قبـل أن يغزوكـم فـوالله مـا غـزي قـوم قـط فـي عقـر دارهـم إلا ذلـوا فتواكلتـم وتخاذلتـم وثقـل عليكـم قولـي، فاتخذتمـوه وراءكـم ظهريـاً حتـى شـنت عليكـم الغـارات [5]!
البواعـث النفسـية للتخلـي عـن الإمـام علـي (ع): تدلّنـا الروايـات التاريخيّـة أنّ مقاتلـة الكوفـة قـد خرجـوا لحـرب الجمـل ولبّـوا الأمـر الصـادر مـن الخليفـة أميـر المؤمنيــن علــي عليــه السلام بأقــل الكلمــات، فضلاً عــن عــدم حضــوره حينمــا طلـب منهـم الخـروج للمقاتلـة بـل اكتفـى بإرسـال مبعـوث عنـه مـن المدينـة إلـى الكوفـة، فلبـّى دعوتـه (نحـو سـبعة آلاف وقيـل: سـتة آلاف وخمسـمائة وسـتون رجلاً منهـم الأشـتر[6])، فكيـف امتثلـوا للأمر بهذه السـرعة وهذا الإندفـاع!؟ والخارجة للحرب هي زوج رسول الله صلى الله عليه وآله التي لها من الإمكانات السياسيّة والحصانة ما يمكّنها مـن تجييـش الجيـوش والتحكـم بميـزان المعركة! وهذا سـبب قوي جـدّاً يدعوا أهل الكوفة للتمرّد وأقلّها عدم الإمتثال لأمر الإمام علي عليه السلام بالخروج للمقاتلة.
      ولكــن كمــا قلنــا وكمــا ذكرنــا ســابقاً بــأن أهــل الكوفــة ســارية لديهــم ثقافــة الإنقيــاد للمؤسسـة الحاكمـة فمـن الطبيعـي أن يمتثلـوا لأمـر الخليفـة وليـس أي خليفـة بـل أمير المؤمنين علي عليه السلام، إلّا أنّ تتابع الحروب وانعكاسـاتها على المجتمع الإسلامي ومكـر معاويـة وسياسـته التـي اسـتمرت لمـدة عقديـن مـن الزمـن أثـّرت علــى المجتمــع بشــكل كبيــر، ممّــا دعاهــم للخــروج لقتــل ابــن بنــت النبــي (ع) فإلـى جانـب كـون الكوفـة حاضنـة للجنـد أولاً، وثانيـاً كونهـا قاعـدة عسـكرية فـرض عليهـا احتضـان العديـد مـن العشـائر سـواء العربيـة أو الأجنبيـة، فتنوعـت الأعـراق فيهــا والمذاهــب -فــكان فيهــا الخــوارج والنواصــب والأمويــون والجبريــة والغلاة والمفوضـة والمرجئـة، وكان فيهـا الشـيعة- كمـا تنوعـت فيهـا الطبقـات -فكانـت طبقـة الأشـراف ورجـال السـلطة والكادحيـن والعبيـد والجنـد والقضـاة- [7].
ثالثاً قيـام سـلطة معاويـة بممارسـة الإفـراغ الفكـري والعقائـدي لمـدة عقديـن مـن الزمـن مـن خلال منهجيـن: (1) منهـج عـام ويشـمل الإفـراغ التوحيـدي متمثلاً بنقل سـجاح التميميـة مدعيـة النبـوة وقومهـا إلـى الكوفـة و إطلاق العنـان لمـا تدعـو إليه(2) ومنهـج خـاص ويشـمل الإفـراغ الرسـالي ممثلاً بفـرض بغـض علـي(ع) وقتـل كل مـن يتهـم بحبـه أو تهجيـره أو حبسـه أو تسـليبه.
رابعاً اســتخدام الســلطة الأمويــة لعمليــة التثاقــف بالقــوّة باســتخدام أنمــاط ثقافيـّـة متعــددة، كصناعــة الحديــث المكــذوب علــى رســول الله (ص)، وروايــة أحاديـث فـي فضـل الخلفـاء الثلاثـة ومـن ثـم قيامـه بنقـل عشـائر مـن الجزيرة والشـام معاديــة للإمــام علــي (ع) و إســكانها فــي بيــوت المواليــن لــه بعــد تهجيرهــم إلــى خراســان ومصــادرة أموالهــم.
خامساً إدخـال صفـة الشـرعية والحاكميـة علـى أبنـاء البغـاء ممـا سـاعد علـى تهـاون النـاس فـي الوقـوع فـي محـارم الفـراش وقـد شـرعت قانوناً يكسـب أبنـاء الزنـا صفـة شـرعية مـن خلال إلحاقهـم بآبائهـم.
      هـذه الأنمـاط مـن السـلوكيات والمعطيـات الثقافيـة التـي تلقّاهـا أبنـاء الكوفـة لمـدة عشـرين عامـا غيـّرت مفاهيـم المحرمـات والمقدسـات كليّـاً لـدى المجتمـع الكوفـي، لذلـك فهـو يـرى ضـرورة الخـروج لحرب الحسـين عليه السلام كي يحظى عنـد والـي الكوفـة. وأصبـح الشـاب الكوفـي يـرى شـرف النشـأة التـي نشـأ عليـه ابـن زيـاد الدعـي بـن الدعـي.
      إنّ هــذه العوامــل الأنثروبولوجيــة أدّت لتصــدّع هــذا المجتمــع حتــى قيامهــم بتلــك الفاجعــة التــي هــزّت الســماوات والأرض وهــي رزيـّـة قتــل ابــن بنــت النبــي محمـد صلـى الله عليـه وآلـه [8].

خطبة السيدة زينب(ع) في الكوفة والظروف التي أُلقيت فيها:
      غـادرت السـيّدة زينـب كربلاء بعـد ظهـر اليوم الحادي عشـر مـن المحرم مثقلة بمـا لا تتحملـه الجبـال الرواسـي مـن الهمـوم والأحـزان، فـلأول مـرة فـي حياتهـا تسـافر دون أن يحيـط بهـا رجـالات أسـرتها وحمـاة خدرهـا، وهـي قـد رزئـت بأفجـع مصيبـة يمكـن أن تحـل بإنسـان، حيـث فقـدت أكثـر من سـبعة عشـر بطلاً من أهلهـا ما على وجه الأرض لهم شبيه، إضافة إلى حوالي السبعين من أنصارهم والمدافعين عنهم، وشـاهدت السـيّدة زينـب مصارعهـم علـى بوغـاء كربلاء بتلـك الصـورة الفظيعـةوكانـت الأربـع والعشـرون سـاعة التـي سـبقت سـفرها إلـى الكوفـة مـن أصعـب وأشـد السّـاعات التـي مـرّت عليهـا فـي حياتهـا، حيث أحـرق الظالمـون خيامهـا، وهجموا عليهـا مـع باقـي نسـاء ويتامـى عشـيرتها، وسـلبوا كل مـا لديهـن مـن الحلـي والحللودخلــت الســيّدة زينــب الكوفــة صبــاح اليــوم الثانــي عشــر مــن المحــرم تحيــط بهــا كل تلــك الهمــوم والآلام، وتثقــل كاهلهــا تلــك المصائــب والأحــزان.
      مــن جهــة أخــرى، فقــد خطّــط حاكــم الكوفــة عبيــدالله بــن زيــاد للإســتفادة مــن وصــول ســبايا الحســين فــي إظهــار قــوّة الســلطة وتصميمهــا علــى ســحق أي محاولــة تمــرّد أو معارضــة، وأن يجعــل مــن قــدوم الســبايا تظاهــرة لإدانــة تحــرك الإمــام الحســين وثورتــه، وللإحتفــاء بانتصــاره الزائــف علــى ثــورة الحــق والعــدل. فــي غمــرة هــذه الأجــواء دخلــت الســيّدة زينــب (ع) الكوفــة مــع الســبايا علــى جمــال غيــر مهيــأة لإراحــة راكبيهــا، وفــي حــال مأســاوي فظيــع.
      وللسـيّدة زينـب(ع) فـي الكوفـة تاريـخ وذكريـات، فقـد كانـت سـيّدة الكوفـة أيـام خلافـة أبيهـا أميـر المؤمنيـن علـي قبـل عشـرين سـنة مـن دخولهـا الآن.. فلابـد وأن تسـتعيد فـي نفسـها صـور تلـك الأيـام وأن تثـور فـي قلبهـا ومخيلتهـا الذكريـات، ففي تلـك المحلّـة كانـت تقيـم، وذاك محـراب أبيهـا علـي ومنبـره فـي مسـجد الكوفـة، وهـذه الأزقـة التـي كان يسـلكها أبوهـا علـي، وهـذا بـاب دارهـا الـذي كان يقصـده الســائلون والمحتاجــون، وتتوالــى الصــور والذكريــات فــي مخيّلــة الســيّدة زينــب، ولعلّهـا تتمنـّى وترغـب فـي أن تسـرح بفكرهـا وتسترسـل بمشـاعرها مـع تلـك الصـور والذكريـات العزيـزة، لكـن سـياط الواقـع الأليـم تنتزعهـا مـن تلـك الذكريـات انتزاعـاً.
      عـن حذلـم بـن كثيـر قـال: (قدمـت الكوفـة سـنة 61 هـ عنـد مجيء علي بن الحسـين مـن كربلاء إلـى الكوفـة ومعه النسـوة، وقد أحاط بهم الجنـود، وقد خرج النّاس للنظر إليهم، وكانوا على جمال بغير وطاء، فجعلن نساء أهل الكوفة يبكين ويندبن، ورأيت علـي بـن الحسـين قـد أنهكتـه العلـة، وفـي عنقـه الجامعـة، ويـده مغلولـة إلـى عنقـه وهـو يقـول بصـوت ضعيـف: إنّ هـؤلاء يبكـون وينوحـون مـن أجلنـا فمـن قتلنـا؟.! 
قــال حذلــم بــن كثير: ورأيــت زينــب بنــت علــي، ولــم أرَ خَفـِـرة أنطــق منهــا كأنّهــا تفـرغ عـن لسـان أبيهـا أميـر المؤمنيـن وقـد أومـأت إلـى النـاس أن أسـكتوا، فارتـدّت الأنفــاس، وســكنت الأصــوات فقالــت:
(الحمــد لله والصّلاة علــى أبــي محمــد وآلــه الطيبيــن الأخيــار. أمــا بعــد:
يــا أهــل الكوفــة يــا أهــل الختــل والغدر، أتبكــون؟ فلا رقــأت الدمعــة، ولا هــدأت الرنّــة إنّمــا مثلكــم كمثــل التــي نقضــت غزلهــا مــن بعــد قــوّة أنكاثـاً، تتّخــذون أَيْمانكــم دخلاً بينكــم ألا وهــل فيكــم إلا الصلــف والنطــف، والكــذب والشــنف، وملــق الإمــاء وغمــز الأعــداء، أو كمرعــى علــى دمنــة، أو كقصــة علــى ملحــودة.. ألا سـاء مـا قدّمـت لكم أنفسـكم أن سـخط الله عليكـم وفي العذاب أنتـم خالدون.. أتبكون وتنتحبون؟!. أي والله فابكــوا كثيــرا ً واضحكــوا قليلاً.. فلقــد ذهبتــم بعارهــا وشــنارها، ولــن ترحضوهــا بغســل بعدهــا أبــداً.. وأنّى ترحضــون قتــل ســليل خاتــم النبــوّة، ومعــدن الرسـالة، وسـيّد شـباب أهـل الجنّـة، ومـاذخيرتكـم ومفـزع نازلتكم، ومنـار حجتكم، ألا سـاء مـا تزرون!.وبعـداً لكـم وسـحقاً، فلقـد خاب السـعي، وتبّت الأيدي، وخسـرت الصفقـة، وبؤتـم بغضـبٍ مـن الله ورسـوله وضربـت عليكـم الذلّـة والمسـكنة. ويلكـم يا أهـل الكوفة.! أتـدرون أي كبـد لرسـول الله فريتـم؟.وأي كريمـة لـه أبرزتـم؟. وأي دم لـه سـفكتم؟.وأي حرمـة لـه انتهكتـم؟ لقــد جئتــم شــيئاً إدّا! تــكاد الســماوات يتفطّــرن منــه، وتنشــق الأرض، وتخــر الجبــال هدّا!!. ولقــد جئتــم بهــا خرقــاء، شــوقاء، كطلاع الأرض، ومــلء الســماء،
أفعجبتــم أن مطــرت الســماء دمــاً؟ ولعــذاب الآخــرة أخــزى وهــم لا ينصــرون.. فلا يســتخفنكم المهــل، فإنـّـه لا يحفــزه البــدار، ولا يخــاف فــوت الثــأر، وإن ربّكــم لبالمرصاد..قـال الـراوي: فـوالله لقـد رأيـت النّـاس حيـارى يبكـون، قـد ردّوا أيديهـم فـي أفواههـم، ورأيـت شـيخاً واقفـاً إلـى جنبـي يبكي حتـى أخضلت لحيتـه بالدموع، ويـده مرفوعـة إلـى السـماء وهـو يقـول: بأبـي أنتـم وأمي كهولكـم خير الكهول، وشـبابكم خيـر الشـباب، ونسـاؤكم خيـر النسـاء، ونسـلكم خيـر النسـل، لا يبـور ولا يخـزي أبـداً فقـال لهـا الإمـام: علـي بـن الحسـين: (اسـكتي يـا عمّـة فأنـت بحمـد الله عالمـة غير معلمة، وفَهِمَة غير مفهمة)[9].

تأملات في خطبة الكوفة:
      يمثّــل خطــاب الســيّدة زينــب فــي الكوفــة أول تصريــح وتعليــق علــى واقعة كربلاء بعــد حدوثهــا يصــدر مــن أهــل البيــت (عليهـم السلام). وتكمــن أهميّــة الخطــاب فــي أنّه موجّــه للمجتمــع المســؤول عــن مــا حــدث بصــورة مباشــرة وهــو المجتمــع الكوفــي.. والخطــاب أيضــاً يعتبــر الجولــة الأولــى فــي معــارك الســيّدة زينــب(ع) ضــدّ الإجرام والظلــم الأمــوي..
      مـن هنـا لابـدّ مـن قـراءة الخطـاب قـراءة متأنّيـة واعيـة، ونسـلّط هنـا الأضـواء على بعض آفاق ذلك الخطاب الهام:

- أولاً: تحمّل المجتمع الكوفي المسـؤوليّة المباشـرة عمّـا حـدث للإمـام الحسـين وأهـل البيـت وعـن صيـر الثـورة المقدسـة، فالكوفيـون هــم الذيــن كاتبــوا الحســين وألحـّـوا عليــه بالقــدوم إليهــم، وبايعــوا فيــره مســلم بــن عقيـل فكيـف خذلـوا الإمـام وتخلّـوا عنـه، واستسـلموا لترهيـب ابـن زيـاد وترغيبـه؟ ثـم إنّ الجيـش الـذي زحـف لقتـال الإمـام، وصنـع تلـك الجريمـة الكبـرى، كان فـي أغلـب قياداتـه وجنـوده مـن أبنـاء المجتمـع الكوفـي.. وبعـد كل مـا حـدث لمـاذا يتفـرّج الكوفيّـون علـى نتائج الأحداث وهم يرون رأس الإمام الحسـين ورؤوس أهل بيته مرفوعة على أطراف الرماح تخترق شـوارع بلدتهم، ويشـاهدون نسـاء الحسـين وعيالاتـه أسـارى سـبايا بيـن ظهرانيهـم، فلمـاذا السـكوت والخنـوع والصمـت علـى كل مـا يجـري؟ ومـاذا ينتظـرون لكـي تتحـرك غيرتهـم الدينيـة وشـيمتهم العربيـة؟ لذلـك تنقـل الروايـة التـي ضمنـت الخطـاب قـول الإمـام زيـن العابديـن(ع) معلّقـاً علـى بـكاء نسـاء أهـل الكوفـة: «إنّ هـؤلاء يبكـون وينوحـون مـن أجلنـا فمـن قتلنـا»؟ وهــذا مــا ركّــزت عليــه الســيّدة زينــب فــي خطابهــا، إذ اعتبــرت أهــل الكوفــة مســؤولين بشــكل مباشــر عــن الفاجعــة، ووجّهــت إليهــم أشــد التوبيــخ والــذم... فقالــت عنهــم: «أهــل الختــل والغــدر» والختــل هــو الخــداع، والغــدر هــو الخيانــة ونقــض العهــد، فأهــل الكوفــة بدعوتهــم الإمــام للقــدوم إليهــم وبمبايعتهــم لــه وإلتزامهـم بنصرتـه ثـمّ التخلّـي عنـه بـل والمشـاركة فـي قتالـه قـد مارسـوا أسـوأ أنـواع الخــداع والخيانــة ونقــض العهــد.. واعتبرتهــم الســيّدة زينــب نموذجــاً وتطبيقــاً للمثـل المعـروف عـن المـرأة الحمقـاء التـي كانـت تغـزل مـع جواريهـا إلـى انتصـاف النّهـار ثـم تأمرهـن أن ينقضـن مـا غزلـن، وهـذا دأبهـا كل يـوم.. وهـو مثـل ذكـره القـرآن الحكيــم: (ولا تكونــوا كالتــي نقضــت غزلهــا مــن بعــد قــوة أنكاثــا)، وكأنّ الســيّدة زينــب بقولهــا: (إنّمـا مثلكـم كمثـل التـي نقضـت غزلهـا مـن بعـد قـوّة أنكاثـا) تشـير إلـى أنّ أهـل الكوفـة قـد تكـرّر فـي تاريخهـم وواقعهـم أنّهـم يقفـون إلـى جانب الحـق ويقدّمون التضحيــات لكنهــم وفــي ذروة الصــراع مــع أهــل الباطــل يتراجعــون وينســحبون، ويضيّعـون بذلـك جهودهـم وتضحياتهـم ومسـتقبلهم حصـل ذلـك فـي موقفهـم مـع الإمـام علـي حيـث خاضـوا معـه معركـة الجمـل ومعركـة صفّيـن وحينمـا لاح فجـر النصـر لهـم بعـد تضحياتهـم الكبيـرة اسـتجابوا لخدعـة معاويـة برفـع المصاحـف وطلـب التحكيـم، فاغتالـوا بذلـك انتصارهـم وأعطـوا الفرصـة لعدوّهم.. وكـرروا ذات الموقـف مـع الإمـام الحسـن حيـث بايعـوه والتفـوا حولـه وزحفـوا معـه لمواجهـة تمـرّد معاويـة لكنهـم لمّا حانـت سـاعة المواجهـة تخاذلـوا وهدمـوا بذلـك صـرح الشـرعيّة والقيـادة الـذي بنـوه ببيعتهـم للإمـام الحسـن.. ومـع الإمـام الحسـين مارسـوا نفـس الطريقـة والحالـة، فهـم قـد بايعـوا الإمـام وأقدمـوه إليهـم وكادت الكوفـة أن تسـتعيد دورهـا القيـادي بخضوعهـا لسـفير الإمـام مسـلم بـن عقيـل، لكنّهـم فـي اللّحظـات الأخيـرة والحسّاسـة، بـدّدوا كل تلـك الآمـال، واغتالـوا مسـتقبلهم ومسـتقبل الأمـة..
      إذاً فهـم كالتـي نقضـت غزلهـا مـن بعـد قـوّة أنكاثـاً وزينـب بهـذا التمثيـل تحاكـي مـا قالـه أبوهـا مـن قبـل لـذات المجتمـع حيـن قـال: «أمّـا بعـد: يـا أهـل العـراق فإنمـا أنتـم كالمـرأة الحامـل حملـت فلمّـا أتمـت أملصـت ومـات قيمهـا، وطـال تأيمهـا، وورثهـا أبعدهـا» أوليسـت زينـب تفـرغ عـن لسـان أبيهـا؟ كمـا قـال الـراوي.. وتوجّـه زينـب لهـم التّهمـة بصراحـة ووضـوح فـي فقـرات عديدة مـن خطابهـا: «فلقد ذهبتم بعارهــا وشــنارها»، «ويلكــم يــا أهــل الكوفــة أتــدرون أي كبــد لرســول الله فريتــم»، «لقـد جئتـم شـيئاً إدّاً»، «ولقـد جئتـم بهـا حرقـاء شـوهاء».

- ثانيـا: التّركيـز علـى نقاط ضعف المجتمع الكوفي ومسـاوئ أخلاقه: فالجريمة لـم تنطلـق مـن فراغ و إنّما هـي نتيجة طبيعية لتلك الأخلاقيـّات المنحرفةوتنبههـم إلـى أبـرز مسـاوئ أخلاقهـم بقولها: «وهـل فيكم إلا الصلـف والنطف، والكـذب والشـنف وملـق الإمـاء، وغمـز الأعـداء، أو كمرعـى علـى دمنـة، أو كقصـة علــى ملحــودة»و «الصلــف»: هــو التمــدّح بمــا ليــس فــي الــذّات أو فــوق مــا فــي الـذات إعجابـاً وتكبراً. ومـن يقـرأ رسـائل الكوفييـن للإمـام الحسـين، وكلماتهـم أثنـاء مبايعتهــم والتفافهــم حــول ســفيره مســلم بــن عقيــل والتــي ادّعــوا فيهــا إخلاصهــم وتفانيهـم واسـتعدادهم للتضحيـة فـداءً للإمـام الحسـين، وأكّـدوا فيهـا تصميمهـم علـى مقاتلـة الأعـداء و إلحـاق الهزيمـة بهـم.. ومـن يلاحـظ حقيقـة موقفهـم وواقعهم فيمـا بعـد اتجـاه الإمـام الحسـين، يـرى بوضـوح أنّهـم يتّصفـون بالصلـف كمـا قالـت عنهــم الســيدة زينــب، وقــد ســبقها أبوهــا الإمــام علــي فــي اكتشــاف هــذه الصفــة السـلبية للمجتمـع الكوفـي فـي قوله لهـم: «كلامكم يوهي الصـم الصلاب، وفعلكم يطمـع فيكـم الأعـداء! تقولـون فـي المجالـس كيـت وكيـت، فـإذا جـاء القتـال قلتـم: حيـدي حيـاد» ولا غـرو فإنهـا تفـرغ عـن لسـان أبيهـا.
      أمّا «النطف» فهو التلطخ بالعيب، أو القذف بالفجور، و«الشنف» بالتحريك البغض والتنكر. وتشير السيّدة زينب (ع) إلى ابتلائهم بمرض التملق المفرط «ملق الإمـاء» فالأمّـة التـي لا حـول لها ولا قوّة تجد نفسـها مضطرّة إلـى إبداء أعلى درجة من الخضوع والطاعة والإنقياد لسيّدها وتبالغ في جلب ودّه ورضاه، والمجتمع الكوفي كان كذلـك فـي تعاملـه مـع السـلطة المهيمنـة عليـه آنـذاك. و«الغمـز» الطعـن بالشـر «كمرعى على دمنة أو كقصّة على ملحودة» تشـير بذلك إلى حالة الإزدواجيّة التي كان يعاني منها المجتمع الكوفي، فظاهره حسن يغري بينما ما تنطوي عليه النفوس سـيّء خبيـث، وتشـبههم بالـزرع الأخضـر فـي مـكان أوسـاخ الحيوانـات وفضلاتهـا «مرعـى علـى دمنـة»، وبالقبـر المجصـّص ظاهـره بالجـص الجميـل المنظـر ولكـن مـاذا فـي حفـرة القبـر غيـر الرفـاة المتفسّـخة لجسـد الميّـت «كقصـة علـى ملحـودة».

      ويعلّــق الســيّد المقــرم علــى هــذه الفقــرة بقولــه: (والــذي أراه أن النكتــة فــي هــذه الإسـتعارة: إنّ القصّـة بلغـة الحجـاز الجـص، والملحـودة القبـر لكونـه ذا لحـد، فـكأن القبـر يتزيـن ظاهـره بيـاض الجـص ولكـن داخله جيفة قـذرة، وأهـل الكوفـة وإن تزيّن ظاهرهـم بالإسلام، إلّا أن قلوبهـم كجيـف الموتـى بسـبب قيامهـم بأعمـال الجاهليّة الوخيمـة العاقبـة مـن الغـدر وعدم الثبـات على المبـادئ الصحيحة، وقد انفـردت «متمّمة الدعوة الحسينيّة» بهذه النكات البديعة التي لم يسبقها مهرة البلغاء إليها، لأنهـا ارتضعـت در «الصدّيقـة الكبرى» التي أخرسـت الفصحاء بخطابها المرتجل.
ثالثاً: توضيـح أبعـاد الفاجعـة: فمـا حـدث فـي كربلاء لـم يكن أمراً سـهلاً، وليس شـيئا عاديّاً بسيطاً إنّه كارثة مروعة، وفجيعة عظمى، وجريمة نكراء. والسلطة الحاكمة قد تحاول تبسيط ما حدث، فهو تمرّد على النظام اضطرّ الجيش إلى قمعه ليس إلّا!!. لكـنّ السـيّدة زينـب فـي خطابهـا أوضحـت للنـاس الأبعـاد الحقيقيـّة لمـا حـدث حيـن قالـت: «فلقـد ذهبتـم بعارهـا وشـنارها ولـن ترحضوهـا بغسـل بعدهـا أبـداً».
فالفظائـع التـي ارتُكِبـت فـي كربلاء بحـق أهل البيت تمثـل جريمة نكراء تسـوّد وجوه وتاريـخ أصحابهـا بالعـار والشـنار وهـو أقبـح العيـب، ولا يمكـن إزالـة وتطهيـر آثـار تلـك الجريمـة أبداً. ثـم تخاطبهـم قائلـة: «ويلكـم يـا أهل الكوفة! أتـدرون أي كبد لرسـول الله فريتـم».فبالمقيـاس الدينـي أنّهـم قـد اعتـدوا علـى رسـول الله(ص) فالحسـين سـبطه وحبيبـه والعزيـز علـى قلبـه، وعيـال الحسـين وثقلـه، هـم حرمـة رسـول الله(ص) فكيـف يسمحون لأنفسـهم كمسـلمين أن يقترفـوا ذلـك؟. إنهـا جريمـة فـي مسـتوى الشـرك بـالله ( سـبحانه ) لذلـك تصفهـا السـيدة زينـب بمـا وصـف بـه القـرآن شـرك الكافريـن وادعاهـم أن لله ولـداً: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا* لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا﴾[10].

كمــا تشــير الســيدة زينــب(ع) إلــى أنهــم مارســوا الجريمــة بأكبــر قــدر مــن الحقــد والبشــاعة: «ولقــد جئتــم بهــا خرقــاء وشــوهاء ».وتثبــت الســيدة زينــب فــي خطابهــا قضيــة تداولــت نقلهــا بعــض المصــادر مــن أن الســماء أمطــرت دماً يـوم مقتـل الحسـين، وحينمـا تقـول ذلـك السـيدة زينـب يصبـح أخبـاراً حقيقيـا صادقاً، وهـي بذلـك تذكـر مـن قـد يكـون غافـلاً عـن الربـط بيـن القضيتيـن أي قتـل الحســين، و إمطــار الســماء دمــاً، كمــا تخلــد هــذا الحــادث للتاريــخ والأجيــال.
رابعـاً: منزلـة الحسـين ومقامـه: لابـد وأنّ الإعلام الأمـوي سيسـعى جاهـداً للتقليـل مــن شــأن الحســين والإفتــراء علــى شــخصيته، كمــا حصــل لأبيــه الإمــام علــي، لذلــك ركّــزت الســيّدة زينــب فــي خطابهــا علــى التأكيــد علــى منزلــة الحســين ومقامــه فهــو: «ســليل خاتــم النبــوة ومعــدن الرســالة وســيّد شــاب أهــل الجنــة.
خامسـاً: الإنذار بالانتقـام: فعدالـة الله ( تعالـى ) تأبـى أن تمـر تلـك الجريمـة النكـراء دون عقـاب يتناسـب مـع خطورتهـا لكـن العقـاب قـد لا يأتـي فوريا «فلا يسـتخفنّكم المهــل فإنـّـه لا يحفّــزه البــدار ولا يخــاف فــوت الثــأر و إن ربكــم لبالمرصــاد ».

وكان الإنتقـام الإلهـي مـن قتلـة الحسـين ومـن المجتمـع المتواطـئ معهـم شديداً وقويّاً، حيث لم يعرف ذلك المجتمع بعدها أمناً ولا استقراراً [11].

خطبتها (ع)  في الشام
      لـم يكـن للعـرب قبـل الإسلام روابـط وطنيـّة يجتمعـون بهـا أو يدافعـون عنهـا لأنّهـم كانـوا لا يسـتقرون فـي وطـن لتغلـب البـداوة علـى طباعهـم وتنقلهـم بالغـزو والرحلة. فلمّــا أســلموا وفتحــوا البلاد ومصــروا الأمصــار وابتنــوا المــدن وأقامــوا فيهــا تحضّــرا، ونشــأت فيهــم الغيــرة علــى تلــك المواطــن للدفــاع عنهــا والتعصّــب لهــا وهـي مـا عبرنـا عنـه بالعصبيـّة الوطنيـّة. وكان العـرب (أو المسـلمون) يقيمـون فـي تلــك المعســكرات التــي أنشــئوها حوالــي المــدن المفتوحــة بأولادهــم ونســائهم لا يختلطـون بأهـل القـرى حتّـى إذا جـاء الربيـع يسـرحون خيولهـم للمرعـى فـي القـرى يسـوقها الأتبـاع مـن الخـدم أو العبيـد ومعهـم طوائـف مـن السـادات، فـإذا فرغـوا مـن رعايــة الخيــل عــادوا إلــى خيامهــم وهــم إلــى ذلــك الحيــن أهــل بــداوة وغــزو ومركــز دولتهــم فــي المدينــة وفيهــا مقــر الخليفــة ومرجــع المســلمين عنــد الحاجــة فلمــا طـال مقامهـم فـي تلـك المعسـكرات وأفضـت الخلافـة إلـى بنـي أميـة ورغبـوا فـي الشـام عـن الحجـاز هـان علـى المسـلمين إغفـال أمـر المدينة وسـائر الحجـاز وطاب لهـم المقـام فـي الشـام وسـائر الأمصـار فاقتنـوا الأرضيـن والضيـاع وغرسـوا الأشـجار فتحوّلـت تلـك المعسـكرات بتوالـي الأجيـال إلـى مـدن عامـرة [12].
      إنّ الصــراع بيــن الأموييــن والهاشــميين بــدأ منــذ العصــر الجاهلــي رغبــة مــن الأموييــن فــي امتلاك زمــام الســيادة والرئاســة وحتــى قبــل بعثــة الرســول صلــى الله عليـه وآلـه، واسـتمر هـذا الصـراع بيـن الأموييـن ومبـادئ الإسلام فـي حيـاة الرسـول وتجلّـى بأوضـح أشـكاله فـي محاربتهـم علـي بـن أبـي طالـب عليـه السلام أثنـاء خلافتـه، وفـي اغتصابهـم أمـرة المسـلمين. وكان قائدهـم ـ آنـذاك ـ معاويـة نجـل أبـي سفيان قائـد الأموييـن فـي حربهـم مـع النبـي.
      وإذا كان الفشــل قــد كتــب للأموييــن فــي صراعهــم مــع النبــي ـ لاعتصامهــم بالأوثــان بشــكل ســافر ـ فإنهــم فــي زمــن أميــر المؤمنيــن تقمصــوا ـ فــي الظاهــر ـ رداء الإسلام الفضفــاض.
ومهمــا يكــن مــن الأمــر فــإن غــدر الأموييــن بعلــي ـ تحــت زعامــة معاويــة ـ قــد أصـاب روح الإسلام قبـل أن يصيـب أبـا تـراب. فقـد انفسـخ بإغتيـال الإمـام المجال واسـعاً أمـام قـوى الشـر التـي حبسـها علـي فـي نطـاقٍ ضيـّق مـن خشـية الله ومبـادئ الدّيــن الحنيــف. فتلاشــت مــن القلــوب حــرارة الإيمــان التــي كانــت تجمــع بيــن قلــب الخليفــة الكبيــر وقلــوب رعايــاه. واســتهان الــولاة والحــكام بتطبيــق مبــادئ الديـن علـى شـؤون الحيـاة. وعمـدوا إلـى إسـكات الجماهيـر بوسـائل فاسـدة مـن الرّشوة والملاينـة أو الإرهـاب والتجويـع. فـذوت روح الإسلام وانطـوت مبادئـه علـى نفسـها بـدلاً مـن أن تسـير فـي طريـق التوسـع والإنتشـاروكانـت حصيلـة ذلـك الإنتشـار التّدميـر والإلحـاد فـي جسـم المجتمـع العربـي الإسلامي، وتدنـي المسـتويات الخلقيـة الرفيعـة بيـن الحـكّام والمحكوميـن علـى السـواءفبرز الإســتهتار، والظّلم، والخروج علــى القــرآن وتعاليــم الرســول مــن جهــة الحاكميـن، والملـق والمداهنـة والإنقيـاد مـن جهـة الرعايا. واختفـى القائلون بالحق وراء سـحب المطـاردة والاضطهـاد فأصبـح المطالبـون بحقوقهـم التـي ضمنهـا لهـم الإسلام «زنادقـة» و«ملحديـن» و«رافضـة» وصـار الوصوليـّون المنافقـون أصحـاب الخطـوة والكلمـة النافـذة [13].

فتح الشام:

      لقـد كان أهـل الشـام قريبـي العهـد بالإسلام، فمـا عرفـوه إلّا مـن خلال حكـم الخلفـاء و إمـارة أمرائهـم، ومـا وجـدوه إلّا فـي شـخصيّة معاويـة المتسـتر بالدّيـنوهـو قطـر تأخـذ فيـه الفصـول الأربعـة حكمهـا وتتـم فـي قيعانـه وجبالـه أسـباب النّعيــم. فجاءهــا الفاتحــون بحــراً وبــرّاً، بــل ومــن جهاتهــا الأربــع. جاءهــا الفراعنــة والبابليــون والإســكندر والصليبيــون، وغــازان وهولاكــو وتيمورلنــك. وخضعــت للآشـوريين، واسـتولى البابليّـون والفـرس عليهـا، وصـارت مـن مملكـة السـلوقيين حتــى زمــان اســتيلاء الرومــان عليهــا، فذاعــت النّصرانيــة فيهــا وأبطلت عبادة الأصنــام إلــى أن فتحهــا المســلمون.
حيــث كانــت مــن أول الأقطــار التــي فكّــر رســول الله صلــى الله عليــه وآلــه فــي أمرهــا لنشــر كلمــة التوحيــد وبــث الدعــوة الإسلاميّة، وكان الدّاعــي إنقــاذ البشــرية ووضعهـم علـى جـادّة الحقيقـة، ولـم يكـن الهـدف توسـيع الرقعـة الجغرافيّـة لبلاد المسـلمين بـل كان أمـراً عرضيّـاً. وقبـل وفـاة الرسـول الأكـرم صلـى الله عليـه وآله جهّز جيشـاً إلـى الشـام وأمـر عليـه أسـامة بـن زيـد وقـال «لعـن الله مـن تخلـف عـن جيـش أسـامة
      فتـح المسـلمون دمشـق فـي سـنة 14 للهجـرة، وتولـّى معاويـة أمـر الولايـة علـى الشـام فـي سـنة 18 للهجـرة فـي عهـد عمـر ومـن هنـا بـدأ الحكـم الأمـوي يترسـخ فـي الشـام.

       لقـد اسـتفاد أبـو سـفيان مـن جهـل النّـاس أقصـى مـا يمكـن مسـتنداً إلـى مكـره وشـيطنته، إسلام أمـوي وحكـم دمـوي ينطـق بمنطـق القـوّة والقهـر، برهانـه السلاح ودليلــه قمــع كل مــن يقــوم بالكفــاح تــرى مظاهــر الإسلام مــن الصّلاة والصــوم والحـج، لكنهـا قشـر بلا لـب، فالطّليـق ابـن الطّليـق يدّعـي الخلافـة الإسلامية ولا يعــرف النـّـاس حــقّ علــي (ع). و للمـال دور هـام فـي تثبيـت مـا يريـده الحـكّام، فلقـد بثـّوه ووزّعـوه علـى وسـاط الضّعفاء المحبّين لحلاوة الدنيا فأصبحوا سـاكتين صامتين كأن لم يحصل شـيء، فبمنطق القوة أخذ معاوية البيعة لولده يزيد. [14]


نشأة يزيد وصفاته الروحية، وخلفيته التربوية والأخلاقية:
      أم يزيــد هــي بنــت «مجــدل الكلبيّــة»، التــي لــم تحتمــل حيــاة المدينــة مــع معاويــة، بــل كرهتهــا، ممّــا دفــع معاويــة إلــى أن يرســل زوجتــه مــع ابنهــا يزيــد إلــى الباديــة ليعيشــا هنــاك. نشــأ يزيــد فــي الباديــة وتخلّــق بأخلاق الصحــراء فصــار فصيحــاً وصاحــب ديــوان شــعر، وكان يميــل ميلاً شــديداً للشــعراء ومنادمــة أهــل اللّغــو ممــن نهــى الإسلام عــن معاشــرتهم. و كان صاحـب هوايـات كثيـرة أهمّهـا الصيد وركوب الخيـل وتربيّة الحيوانات لاسـيما الـكلاب التـي كان مولعـاً بهـا أشـد الولـع. وكان نديمـه الدائـم قـرد قـد ربـّاه شـخصياً وصـار يصطحبـه فـي كل الجلسـات الرسـميّة والعامّـة وفـي بلاطـه، إلـى درجـة تسـميته «بأبـي قيـس» وألبسـه الجواهـر والحريـر والحلـي والذهـبوكان ليزيـد حمـارة تعـز عليـه يسـتخدمها لركـوب قردتـه، وأحيانـا كان يفـرض مشـاركتها فـي سـباق الخيـل والفـارس «أبـو قيـس» ( قـرد يزيـد). 
      وبعــض هــذه الصفــات مثــل الشّــعر والصّيــد والركــوب، إذا مــا وُجِــدت فــي شـخصيّة الرّجـل القـوي والمقتـدر وصاحـب الملـكات الفاضلـة فإنهـا تزيـده كمـالاً ورقيّـاً، لكنّهـا إذا ظهـرت فـي أبنـاء الأمـراء والنبلاء والمترفيـن فإنّهـا تكـون سـبباً فـي بطالتهـم واسـتغراقهم التـرف والتنعـم والإسـراف.
وولـع يزيـد بهـذه الأمـور كان يمنعـه مـن أمـور العبـاد أو القيـام بمهـام السياسـة وإدارة شـؤون البلاد فـكان يـوكل أمـور البلاد لغيـره مـن الحواشـي.
      يقـول بعـض النـاس أن يزيـد قـد مـات بـداء (ذات الجنـب) عـن سـنّ السـابعة والثلاثيـن، ويبـدو أن إفراطـه فـي شـرب الخمـر والغـرق فـي الملـذات قـد تكـون سـبباً وراء تليـف كبـده.
إنّ صعــود يزيــد للســلطة، وهــو الرجــل الــذي لــم يتملــك أي كفــاءة، لا فــي مجـال الخلافـة ولا السياسـة إنّمـا جـاء فـي سـياق الفسـاد التدريجـي فـي أخلاق المســلمين [15].

 

خطبة السيدة زينب في الشام والظروف التي أُلقيت فيها:

      لقـد دخـل أهـل البيـت عليهـم السلام دمشـق نهـاراً وأهلهـا قـد علقـوا السـتور والحجـب والديبـاج فرحيـن مستبشـرين ونسـاؤهم يلعبـن بالدفـوف، ويضربـن على الطبــول كأنـّـه العيــد الأكبــر عندهــم. لقــد غمــرت الأفــراح والمســرّات يزيــد، وســرّ سـروراً بالغـاً، وأمـر بترتيـب مجلـس فخـم حاشـد مـن أشـراف أهـل الشـام والأعيـان والشــخصيات وبعــض الصّحابــة والتابعيــن كزيــد بــن الأرقــم وســمرة بــن جنــدب وبعـض الأنصـار وبعـض ناصـري بنـي أميـة منهـم النّعمـان بـن بشـير، والكبـار مـن الشـجرة الملعونـة فـي القـرآن كيحيـى بـن الحكـم وعبـد الله بـن الحكـم، وكـذا رجـال السّـلطة الحاكمـة وبعـض نسـاء بنـي أميـة. كمـا حضـر بعـض مـن أهـل الكوفـة اللّذيـن أتـوا مـع أسـارى أهـل البيـت إلـى الشـام كزحـر بـن قيس وشـمر بن ذي الجوشـن، ومـن جانب آخـر نـرى بعـض مـن ممثلـي كبـار الدولـة وكبـار أهـل الكتـاب مثـل سـفير الـروم ورأس جالـوت [16].

      وقـد صفـا ليزيـد الملـك، واستوسـقت لـه الأمـور، وأخـذ يهـز أعطافـه جذلانـاً متمنّيـاً حضـور القتلـى مـن أهـل بيتـه ببـدر ليريهـم كيـف أخـذ بثأرهـم مـن النبـي (ص) فـي ذريّتـه. ثـم وضـع رأس الحسـين بيـن يـدي يزيـد، وأمـر بالنّسـاء أن يجلسـن خلفـه، لئلّا ينظــرن إلــى الــرأس لكــنّ زينــب عليهــا السلام لمّــا رأت الــرأس هــاج بهــا الحــزن، فأهـوت إلـى جيبهـا فشـقّته ثـم نـادت بصـوت حزيـن يقـرّح القلـوب: (يـا حسـيناه! يـا حبيـب رسـول الله! يابـن مكـة ومنـى! يابـن فاطمـة الزهـراء سـيدة النسـاء! يابـن المصطفـى!)، قال الراوي، فأبكت والله من كان حاضراً في المجلس، ويزيد ساكت! ثم دعى بقضيب خيزران، فجعل ينكت به ثنايا الإمام الحسين (ع). فأقبـل عليـه أبـو بـرزة الأسـلمي وقـال: ويحـك يـا يزيـد! أتنكـت بقضيبـك ثغـر الحسـين بـن فاطمـة؟ أشـهد لقـد رأيـت النّبـي يرشـف ثنايـاه وثنايـا أخيـه الحسـن ويقـول: (أنتمـا سـيّدا شـباب أهـل الجنـة قتـل الله قاتليكمـا ولعنـه وأعـد لـه جهنـّم وسـاءت مصيـرا)، فغضب يزيد وأمر بإخراجه فأخرج سحباً [17].

      وراح يترنّم بأبيات ابن الزبعري قائلاً أمام الملأ بصوت يسمعه الجميع:

لَیْتَ أَشْیاخِی بِبَدْر شَهِدُوا

                  جَزَعَ الْخَزْرَجُ مِنْ وَقْعِ الاَسَلْ

لأهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً

                   وَ لَقالُوا یا یَزِیدُ لاَ تَشَلْ

فَجَزَیْناهُ بِبَدْر مَثَلا

                   وَأَقَمْنا مِثْلَ بَدْر فَاعْتَدَلْ

لَسْتُ مِنْ خِنْدِف إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ

                   مِنْ بَنِی أَحْمَدَ ما کانَ فَعَلْ

      ولمّا سـمعت العقيلـة هـذه الأبيـات التـي أظهـر فيها التشـفّي بقتل عترة رسـول الله (ص) انتقاماً منهــم لقتلــى بــدر، وثبــت كالأســد، فســحقت جبروتــه وطغيانــه فكأنّهــا هــي الحاكمــة والمنتصــرة، والطّاغيــة هــو المخــذول والمغلـوب علـى أمـره، وقـد خطبـت هـذه الخطبـة التـي هـي مـن متممـات النّهضـة الحســينية، قالــت(ع):

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى جَدِّي سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، صَدَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ يَقُولُ: (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏- أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ) أَظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حِينَ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ، وَضَيَّقْتَ عَلَيْنَا آفَاقَ السَّمَاءِ، فَأَصْبَحْنَا لَكَ فِي إِسَارٍ، نُسَاقُ إِلَيْكَ سَوْقاً فِي قِطَارٍ، وَأَنْتَ عَلَيْنَا ذُو اقْتِدَارٍ، أَنَّ بِنَا مِنَ اللَّهِ هَوَاناً وَعَلَيْكَ مِنْهُ كَرَامَةً وَامْتِنَاناً؟؟ وَأَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ وَجَلَالَةِ قَدْرِكَ؟؟ فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ فِي عِطْفٍ، تَضْرِبُ أَصْدَرَيْكَ فَرِحاً وَتَنْفُضُ مِدْرَوَيْكَ مَرِحاً حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً وَالْأُمُورَ لَدَيْكَ مُتَّسِقَةً وَحِينَ صَفِيَ لَكَ مُلْكُنَا وَخَلَصَ لَكَ سُلْطَانُنَا.

فَمَهْلًا مَهْلًا لَا تَطِشْ جَهْلًا! أَ نَسِيتَ قَوْلَ اللَّهِ: (وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) أَمِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَسَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا؟؟ قَدْ هَتَكْتَ سُتُورَهُنَّ وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ يَحْدُو بِهِنَّ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَيَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَاقِلِ وَيَبْرُزْنَ لِأَهْلِ الْمَنَاهِلِ وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالْغَائِبُ وَالشَّهِيدُ وَالشَّرِيفُ وَالْوَضِيعُ وَالدَّنِيُّ وَالرَّفِيعُ، لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالِهِنَّ وَلِيٌّ وَلَا مِنْ حُمَاتِهِنَّ حَمِي.

كيف يُرتجى مراقبةُ مَن لفَظَ فُوهُ أكبادَ الأزكياء، ونَبَت لحمه بدماء الشهداء ؟! وكيف يستبطئ في بُغضنا أهلَ البيت مَن نظرَ إلينا بالشَّنَف والشَّنآن، والإحَن والأضغان ؟! ثمّ تقول غيرَ متأثّم.. ولا مُستعظِم:

وأهَلُّوا واستَهلُّـوا فرَحَـاً

               ثمّ قالوا: يا يزيدُ لا تُشَـلّْ!

مُنتَحياً على ثنايا أبي عبدالله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمِخْصَرتك، وكيف لا تقول ذلك وقد نكأتَ القرحة واستأصلت الشأفة بإراقتك دماءَ ذريّة محمّد صلّى الله عليه وآله، ونجومِ الأرض مِن آل عبدالمطلب! وتهتف بأشياخك زعمتَ أنّك تناديهم، فَلَتَرِدَنّ وَشيكاً مَورِدَهم، ولَتَوَدّنّ أنّك شُلِلتَ وبُكِمتَ ولم يكن قلتَ ما قلتَ وفَعَلتَ ما فعلت. اَللّهمّ خُذْ بحقِّنا، وانتَقِمْ ممّن ظَلَمَنا، وأحلِلْ غضبَك بمن سفك دماءنا وقتَلَ حُماتَنا. ( ثمّ توجّهت بالتوبيخ إلى يزيد قائلةً له ): فوَ اللهِ ما فَرَيتَ إلاّ جِلْدَك، ولا جَزَزْتَ إلاّ لحمك، ولَتَرِدنّ على رسول الله بما تحمّلت مِن سَفكِ دماءِ ذريّتهِ، وانتهكتَ مِن حُرمته في عِترته ولُحمته! حيث يجمع الله شملهم، ويَلُمّ شعَثَهم، ويأخذ بحقّهم.. ولا تَحسَبنَّ الذينَ قُتِلوا في سبيلِ اللهِ أمواتاً بل أحياءٌ عندَ ربِّهم يُرزَقون . حَسْبُك بالله حاكماً، وبمحمّدٍ خَصيماً، وبجبرئيل ظَهيراً، وسيعلم مَن سوّى لك ومكّنك من رقاب المسلمين (أي أبوك معاوية) بئس للظالمين بدلاً! وأيُّكم شرٌّ مكاناً وأضعَفُ جُنْداً! ولئن جَرَّت علَيّ الدواهي مُخاطبتَك، إنّي لأستصغرُ قَدْرَك، وأستَعظمُ تَقريعك، واستكبر توبيخك!! لكنّ العيون عَبْرى، والصدور حَرّى ( وهنا جاء التنبيه إلى عظم المصيبة والفاجعة التي أوقعها يزيد في آل بيت المصطفى ). ألا فالعَجَب كلّ العجب.. لقتلِ حزبِ الله النجباء، بحزب الشيطان الطلقاء! ( ومنهم يزيد الطليق بعد فتح مكّة، ولم يسمح الشرع الشريف للطلقاء أن يتقلّدوا الحُكْم! )، فهذه الأيدي تَنطِف من دمائنا، والأفواه تَتَحلّب مِن لحومنا، وتلك الجُثث الطَّواهر الزواكي تنتابها العَواسِل ( أي الذئاب )، وتهفوها أُمّهاتُ الفَراعل. ولئن اتّخَذْتَنا مَغْنَماً، لَتجِدَنّا وشيكاً مَغْرٓماً، حين لا تجدُ إلاّ ما قدَّمْتَ وما ربُّكَ بظَلاّمٍ للعبيد ، فإلى الله المشتكى وعليه المعوَّل. فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها ( أي لا تغسله )، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين ! فالحمد لله الذي ختم لأوّلنا بالسعادة ولآخرنا بالشهادة والرحمة، ونسأل الله أن يُكملَ لهم الثواب، ويُوجِبَ لهم المزيد، ويحسن علينا الخلافة، إنّه رحيمٌ ودود، وحسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيل.

 

تأمّلات في خطبة الشام:

      إنّ خطـاب السـيّدة زينـب (ع) فـي مجلـس يزيـد يعتبـر وثيقـة فكريـة سياسـية تسـلّط الأضـواء علـى خلفيـّات المعركـة بيـن أهـل البيـت والأموييـن كمـا تناقـش بعــض التفاصيــل والقضايــا الهامّــة فــي تلــك المعركــة، وتقــدّم استشــرافاً وتصوّراً مسـتقبلياً لآثـار المعركـة ونتائجهـا. ونشير فيما يلي إلى أبرز وأهم آفاق هذا الخطاب الرائع العظيم:

أولاً: المعركــة فــي منظــار القيــم والمبــادئ، فالأمويــون و إن كانــوا يتظاهــرون بالإسلام، ويحكمــون بإســمه، إلا أنّهــم يتعاملــون مــع الحيــاة و ينظــرون للأمــور حســب المعــادلات الماديــة، وضمــن دائــرة المصالــح الدنيويــة العاجلــة بعيــداً عــن القيــم والمبــادئ. ويريــدون لجمهــور الأمّــة أن ينظــر إلــى واقعــة كربلاء مــن منظارهـم المـادي الجاهلـي، حيـث يصـرّح يزيـد بأنّـه قـد قـام بأخـذ ثـارات بـدر ومعــارك الإسلام الأولــى ضــد أســافه المشــركين، والمســألة فــي نظــر الأموييــن لا تعـدو أن تكـون دفاعـاً عـن عـرش السـلطة وكرسـي الحكـم، وهـو أمر مشـروع بالعقليّة المصلحيّة. ويـرى الأمويـون أن القـوة التـي بأيديهـم، والإنتصـارات التـي أحرزوهـا، تكفـي دليلاً علـى أحقيتهـم وشـرعيتهم كواقـع يفـرض نفسـه، وفـي مواجهـة هـذا المنطـق الأمـوي المـادي الإنتهـازي كانـت السـيّدة زينـب فـي خطابهـا تؤكـد علــى الرجــوع إلــى القيــم والمبــادئ الدينيــة والإحتــكام إليهــا فــي تقويــم الواقــع وتفسـير أحداثـه فلابـد مـن محاكمـة مـا يجـري علـى ضـوء كتـاب الله، والنظـر إلـى المعركـة مـن خـال الرؤيـة الدينيـة التـي يريـد الأمويـون تغييبهـا و إلغاءهـا فـي واقـع حيــاة المســلمين.

      لذلـك تذكّـر يزيـد بـن معاويـة بـأن لا ينظـر إلـى نفسـه مـن خـلال مـا يملـك مـن قـوّة وسـلطة:

«أظننـت يـا يزيـد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السـماء». فليس في ذلك دلالة على الأحقيّة والمشـروعيّة والرّضا الإلهي، فقد يفسـح الله المجال واسـعاً أمـام الكافريـن لتتضاعـف قوتهـم وإمكانيّاتهم دون أن يعني ذلـك أحقيّتهم أو رضا الله عنهم، بل يكون ذلك سبباً لزيادة انحطاطهم وعذابهم عند الله. والحسين وأهل بيته ليسوا مهزومين مغلوبين قد خسروا الحياة وابتلعهم الموت بل هم وفق مقياس المبـادئ الإلهيـة شـهداء خالـدون وأحيـاء عنـد ربّهـم، لأنّهـم قتلـوا فـي سـبيل الله.

      وإذا كانــت المآســي قــد حلّــت بأهــل البيــت فأنّهــم يحتســبونها عنــد الله، حيــث لــم تحــدث لهــم فــي ســياق صــراع دنيــوي مصلحــي و إنّمــا لأنّهــم يحملــون رســالة الله ويدافعــون عــن دينــه، وحســب المبــادئ والقيــم فهنــاك عدالــة إلهيــة، وهنــاك دار أخــرى تكــون فيهــا النتائــج الحاســمة: «وحســبك بــالله حاكمــاً وبمحمّــد خصيمــاً وبجبرائيــل ظهيــراً ولتــردن علــى رســول الله».

      والصّـراع بيـن أهـل البيـت والأموييـن فـي نظر السـيّدة زينب ليـس صراعـاً قبليّاً على الزّعامـة، بـل هـو مظهـر وامتـداد للصّـراع الأبـدي الدّائـم بيـن الخيـر والشـر، بيـن حـزب الله وحزب الشـيطان.

ثانيــاً: إدانــة الجرائــم الأمويّــة ففــي مجلــس يزيــد وأمامــه وبحضــور أتباعــه ومؤيّديــه، أعلنــت الســيّدة زينــب الإدانــة والإســتنكار لمــا ارتكبــه مــن جرائــم بحــق أهــل البيــت، وأوضحــت مظلوميـّـة أهــل البيــت وعمــق مأســاتهم بقتــل رجــالات أهــل البيــت، وســوق نســائهم ســبايا بتلــك الحالــة المفجعــة، وتــرك جثــث أهــل البيــت دون مــواراة. كمــا توبّخــه بشــدّة علــى أقوالــه التــي تنضــح كفــراً وتشــكيكاً فــي الدّيــن وتعنّفــه علــى مــا فعلــه بــرأس أخيهــا الحســين ومـن يعـرف مـدى غـرور يزيـد وتجبـره يـدرك وقـع هـذا التوبيـخ والإدانـة علـى نفسـه.

      يقــول المرحــوم الأســتاذ توفيــق الفكيكــي: «وكان الوثــوب علــى أنيــاب الأفاعــي، وركــوب أطــراف الرمــاح أهــون علــى يزيــد مــن ســماع هــذا الإحتجــاج الصــارخ».

ثالثــاً: الجــذور العائليـّـة الفاســدة: إنّ سياســات يزيــد المنحرفــة، ومواقفــه الفاســدة، لــم تنطلــق مــن فــراغ، وإنّمــا هــي امتــداد واســتمرار لســلوكيّات أسلافه المشــركين والمنافقيــن، لذلــك تذكّــره الســيّدة زينــب بجدّتــه «هنــد» أم معاويــة وزوج أبــي ســفيان والتــي قــادت حملــة التأليــب والتحريــض علــى قتــال رســول الله والمســلمين وأغــرت «وحشــي» بقتــل الحمــزة بــن عبــد المطلــب عــم رسـول اللّه، ثـم مثّلـت بجسـمه وانتزعـت كبـده وحاولـت مضغهـا بأسـنانها، إظهـاراً لحقدهــا البشــع، وبغضهــا المتوحــش لرســول اللّه وذويــه ويزيــد فــي اعتداءاتــه الأليمــة علــى أهــل البيــت لــم يــأت بشــيء غريــب، و إنّمــا هــو شــر خلــف لشــر ســلف، تقــول «وكيــف يرتجــى مراقبــة مــن لفــظ فــوه أكبــاد الأزكيــاء»

      وتتوعّــده الســيّدة زينــب بــأنّ مصيــره هــو مصيــر أسلافه عتبــة وشــيبة والوليــد وأنـه لاحـق بهـم فـي نـار جهنـم «وتهتـف بأشـياخك زعمـت أنّك تناديهـم فلتـردن وشيكاً موردهـم».

رابعــاً: الإشــادة بأهــل البيــت فــي مجتمــع تربّــى علــى بغــض أهــل البيــت، وفــي أجــواء معبــأة ضــدّ الأســرة العلويــة، ووســط مجلــس انعقــد للشــماتة بمقتــل الحسـين، تقـف السـيّدة زينـب صادحـة بالحـق، مشـيدة بفضائـل أسـرتها الكريمة. فهي تخاطب يزيد معلنة للأمّة أنّ هذه الدولة والكيان الإسلامي إنّما أشادته سيوف بني هاشم وتضحيات آل الرّسول بالدرجة الأولى «وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا» فأهـل البيـت هـم القـادة الحقيقيـون لهـذه الأمّـة وهـم الأولـى بالسـلطة والحكـم.

      ولأهـل البيـت فضـل عظيـم علـى يزيـد بالـذّات فأبـوه وجـدّه وأسـرته هـم طلقـاء عفـو رسـول الله عنـد فتـح مكـة لذلـك تخاطبـه العقيلـة: « أمـن العـدل يـا ابـن الطلقـاء». أمّـا شـهداء كربلاء فتصفهـم السـيّدة زينـب بأنّهـم: «ذريّة محمّد ونجـوم الأرض مـن آل عبـد المطلـب » وتذكّـر أخـاه الحسـين بإعتباره: «سـيّد شـباب أهـل الجنة». وتعتـز السـيّدة زينـب بفضل أسـرتها وأمجادهـا العظيمة قائلـة: «والحمدلله ربّ العالميـن الـذي ختـم لأولّنا بالسـعادة والمغفـرة ولآخرنا بالشـهادة والرحمة».

خامســاً: المســتقبل لمــن؟ يفتخــر يزيــد بإنتصــاره علــى أهــل البيــت، ويظــنّ أنّــه كســب المعركــة لصالحــه، ووســائل أعلامــه تكــرّر وتجتــر هــذا الوهــم علــى مســامع النـّـاس، لكــن العقيلــة زينــب تنســف أوهامــه، تســفّه أحلامــه وتقــرّر أمــام مجلســه الحاشــد أنّــه قــد تلطـّـخ بأوحــال الهزيمة، وســقط فــي حضيــض الهــوان، و إن تظاهــر بالنّصــر وتــراءى لــه الظفــر إنّهـا تتحـدّى يزيـد فـي أن يتمكـّن مـن تحقيـق هدفـه بطمـس خـط أهـل البيـت، مهمـا جنـّد مـن قـواه واسـتخدم مـن قدراتـه: فكـد كيـدك واسـع سـعيك، وناصـب جهـدك، فـوالله لا تمحـو ذكرنـا ولا تميـت وحينـا» فخـط أهـل البيـت يمثـّل الحـق والعـدل ويجسّـد الوحـي الإلهـي، وسـوف تبقـى البشـرية متطلعـة للحـق والعـدل وسـوف يُظهـر الله دينـه علـى الدّيـن كلـه. كمـا تظهـر العقيلـة سـخريتها واحتقارهـا لمظاهـر القـوّة التـي أحـاط بهـا يزيـد نفسـه: «وهـل رأيـك إلا فنـد، وأيّامـك إلا عـدد، وجمعــك إلا بــدد»

      ورهـان السـيّدة زينـب علـى النصـر وثقتهـا بالظفـر ليـس محجّمـاً بحدود الدّنيـا الفانيـة، بـل تتطلـع للآخـرة هنـاك حيـث عدالـة الله، وحيـث تكـون العاقبـة للمتّقيـن، والنـار والخـزي للظالميـن.

سادســاً: العــزّة الإيمانيّـة تلــك المــرأة المســبيّة الأســيرة التــي ســيقت إلــى مجلـس يزيـد مكتّفـة بالحبـال، تقـف أمـام الحاكـم المتغطـرس المتجبـّر صارخـة بـه: «يـا ابـن الطّلقـاء» ومنـذرة لـه: «ولتـودّن أنـك شـللت وبكمـت ولـم تكـن قلـت مـا قلـت وفعلـت مـا فعلـت» وداعيـة عليـه: «اللهـم خُذ لنـا بحقّنـا وانتقـم ممـن ظلمنا، واحلــل غضبــك بمــن ســفك دماءنــا وقتــل حماتنــا» وتتحــدّاه قائلــة: «فــوالله مــا فريـت إلّا جلـدك ولا حـززت إلّا لحمـك» وتكـرّر تحدّيهـا لـه هاتفـة: «فكـد كيـدك واسـع سـعيك» وبصراحــة أوضــح تبــدي احتقارهــا لــه وأنّهــا أكبــر وأســمى مــن أن تكلّمــه أو تخاطبــه لــولا مــا فرضتــه عليهــا الظّــروف فتقــول: «ولئــن جــرّت علــيّ الدّواهــي مخاطبتــك إنــي لاســتصغر قــدرك واســتعظم تقريعــك وأســتكثر توبيخــك». فمــن يدانـي ابنـة علـي فـي شـجاعتها وعزّتهـا وبطولتهـا؟ إنهـا ابنـة أبيهـا وهـي تفـرغ عـن لسـانه وروحه. لذلـك تحطّمـت كبريـاء يزيـد أمامهـا وانهـار غـروره، وأصابتـه الحيـرة والإرتبــاك، فلــم يــزد أن تمثــل بعــد خطابهــا بقــول الشــاعر:

يا صحيحة تحمد من صوائح

                      ما أهون النّوح على النوائح

وكأنّـه يفسّـر خطـاب السـيّدة زينـب بأنـّه نـوع مـن الإنفعـال الطبيعـي لمـا تعانيـه من مصيبـة!! [18].

 

بين الخطبتين

      يقول المستشرق الألماني ماريين «أنا أتعجّب من تدبير الحسين واستشرافه للمستقبل في مرافقة النّساء والأطفال لهذا السفر الخطر، لأنّ ما فعلته زينب في الشام غيّر الأوضاع بشكل كامل بحيث أصبحت الشام التي كانت مشهورة بسب علي وأبناءه، مادحة لأهل بيت علي وأقيمت في أنحائها مجالس ومحافل لذكر مصائب آل علي وتبيين مناقبهم[19].
      فــي الحقيقــة إنّ الإمــام الحســين (ع) اســتعمل عــدّة مبلّغيــن بحيــث أنّهــم يدخلـون بعـد شـهادته بيـد العـدو وقواتـه إلـى مركـز حكومـة العـدو، وهـذا بحـد ذاتـه تكتيـك عجيـب وعمـل فائـق. و كل ذلـك يوصـل صوتـه أكثـر إلـى مسـامع العالـم [20].
      ومــن خلال ســيرة أهــل البيــت عليهــم السلام مــع أعدائهــم ومــع النّــاس نســتطيع القــول أنـّه مــن جملــة أهدافهــم التبليغيــة:
1. إبطال دعايات العدو.
2. الحفاظ على أهداف الإمام الحسين وذكره والتعريف بثورته.
3. مكافحة التحريف.
4. التعريف بالنبي وأهل بيته وعيال الحسين عليهم السلام.
5. فضح جرائم يزيد وطبيعة حكمه.

و قــد اســتفاد أهــل البيــت عليــه السلام مــن الأدوات التبليغيــة المتناســبة مـع زمانهـم، فاسـتغلوا المناسبات، ونسـقوا خطبهـم حسـب أهـداف كان قـد بدأهـا الإمـام واسـتمروا عليهـا، واسـتخدموا الشـعر، كمـا تحدثـوا بلغـة الاحتجـاج والحـوار، وكانـت خطبهـم مـن أبلـغ وأوضـح الوسـائل فـي رحلتهـم التبليغيـة [21].
      يقول السيد القائد دام ظله الوافر ( من الأهداف الأساسية في التبليغ، تضخيم وإبـراز نقـاط ضعـف العـدو، وفـي هـذا المجـال، ينبغـي فـي البدايـة الحصـول علـى المعلومات الكاملة من خلال كل الوسـائل المتاحة، حول النقاط الحساسـة والتي يمكـن توجيـه الضربـات إليهـا عنـد العدو، ثـم يمكن البـدء بحرب نفسـية و إعلامية لقلـع العـدو مـن مكانـه، كما أنـه من الضروري موجهـة دعايات العدو و إشـاعاته [22].
مـن هنـا نبـدأ الـكلام عـن خطـب السـيدة زينـب (ع) حيـث وصفهـا الإمـام زيـن العابديــن بعــد خطبتهــا الأولــى فــي الكوفــة بالعالمــة الغيــر معلمــة، وهــذا برهــان واضــح وصريــح علــى أن الســيدة (ع) لا تتحــدث إلا عــن ســابق معرفــة وعلــم، والعلـم درجـة ومنزلـة عاليـة شـرّف الله بهـا النـاس، فكيـف وهـي ابنـة أميـر المؤمنيـن التـي أذهلـت النـاس بتلـك الكلمـات التـي ألقتهـا، فغيـرت مـن موازيـن الحـرب، وكشـفت الباطـل وأظهـرت الحـق، ورفعـت اسـم أخيها عاليـاً وعرفت بثورتـه وأهدافه ومظلوميتـه.
عندمــا نأتــي لخطابهــا عليهــا السلام فــي الكوفــة، لا نجــد أنهــا قــد عرّفــت بنفسـها، نجـد أنهـا واجهتهـم بعـد الحمـد بالـكلام اللاذع المباشـر، فهـؤلاء ملفهـم أسـود وطابعهـم التلـون والغـدر والتراجـع فـي اللحظـات الحاسـمة، وهـذا هـو سـبب تسـلط الحـكام عليهـم، فلـم تعـد النصيحـة تجـدي ولـم يعـد للإرشـاد محـل، فقـد كان أســلوبها فيــه أعلــى درجــات الشــجب والتوبيــخ، والتطــرق بــل التركيــز علــى أخلاقهــم الســيئة الدنيئــة واســتخدمت أعمــق التعابيــر التــي تســتنكر بشــاعتهم وفضاعـة واقعهـم وكشـفت باطنهـم الخبيـث. نعـم لـو كانـوا فـي محـل النصـح لمـا توانـت السـيدة عـن ذلـك؛ لكنهـا عليها السلام بالرجوع لماضيهم تعلم أنهم ليسـوا أهلاً لأي أسـلوب آخـر غيـر الهجـوم المباشـر الشـديد.
      ثـم أنهـا هددتهـم وأنذرتهـم العـذاب الشـديد، ولتوضـح حجـم العـذاب بينـت حجــم الجريمــة التــي لــن يســتطيعوا غســل عارهــا.. إن ذكرها لمصيبــة الحســين ومنزلتــه ليــس تعريفاً بالحســين (ع)  ولا بأصحابــه، بــل أنهــا أرادت أن تكشــف لهـم عظـم المصيبـة التـي تجـرؤوا فيهـا علـى سـيد الشـهداء سـليل النبـي وخامـس أصحــاب الكســاء (ع).
      اتّســم الخطــاب بالتوبيــخ والمواجهــة اللاذعــة، وفيــه محاولــة لإيقــاض الضمائـر النائمـة التـي حملـت هـذا الذنـب العظيـم، فذكرتهـم بعـذاب الـرب الـذي ســينتظرهم فــي الدنيــا والآخــرة.
أمـا خطابهـا فـي الشـام، فوقـع فـي مجلـس يزيـد، فافتتحـت كلامهـا بالحمـد وعرفـت عـن نفسـها وإنهـا ابنـة رسـول الله صلـى الله عليـه وآلـه وإنهـا لـم تـأت مـن بلاد الشــرك والكفــر، بــل أتــت مــن بيــت الوحــي، وخاطبــت يزيــد باســمه مباشــرة فصرحـت بعـدم اعترافهـا لخلافتـه، بـل وبينـت أن حـق الخلافـة والملـك إنمـا هـو لأهـل بيـت النبـوة و إنمـا يزيـد هـو غاصـب لهـاثـم فضحـت السـيدة زينـب عليهـا السـام أصلـه السـافل وجـذوره التاريخيـة، بألفـاظ عميقـة، واسـتنكرت تعاملـه السـيئ وسـلوكه القبيـح أمـا الإحسـان الـذي فعلـه جدهـا لأسـافه، ثـم عرفـت بالحسـين وكشـفت فضاعـة الجريمـة التـي أقـدم عليهـا يزيـد، فأنذرتـه بالعـذاب الشـديد هـو ومـن شـارك فـي هـذه الجريمـة.

مقارنة بين الخطبتين:

 أولاً: نجــد أنهــا وجهــت خطابهــا فــي الكوفــة لعامــة النــاس، لأن الغالبيــة فــي هـذا المجتمـع شـاركوا بوجـه أو بآخـر فـي هـذه الجريمـة النكـراء، أمـا فـي الشـام فقـد توجهـت بالكلام إلـى يزيـد، فهـو المسـؤول الأول فـي ذاك الموقـع.
ثانيــاً: فــي الكوفــة توجهــت الســيدة مباشــرة للنــاس بالكلام اللاذع دون أن تُعرّف  بنفسـها، لكنهـا فـي الشـام عرّفـت بنفسـها وعرّفـت البلـد الـذي أتـت منـه.
نعـم.. كان أهـل الكوفـة يعرفـون زينـب إبنـة أميـر المؤمنيـن حـق المعرفـة، لا بـل وقـد كانـت سـيدة نسـائهم وابنـة الخليفـة والوالـي عليهـم، فكيـف تُعـرّف بنفسـها مــن يعرفهــا حــق المعرفــة! لكنهــم فــي الشــام كانــوا يجهلــون أهــل البيــت بشــكل عـام، ولا يعرفـون إلا الإسلام الأمـوي الـذي زرعـه معاويـة فيهـم لمـدة عشـرين عـام، فـكان مـن الواجـب أن تعـرّف السـيدة النـاس بنفسـها ومقامهـا بأنها هي ابنة الإسلام وربيبـة الوحـي فعرفـت بنفسـها وفضحـت يزيـد الـذي جعـل الأمـر يبـدو وكأن هـؤلاء سـبايا كاللذيـن سـاقهم قبلاً مـن بلاد الكفـر.
ثالثـاً: استشـهدت السـيدة (ع)  فـي الشـام بالمواقـف التاريخيـة لتؤيـد أقوالهـا أمـام جمـع مـن النـاس كانـوا يعتقـدون أنهـا جـاءت أسـيرة مـن الكفـار وكانـوا يـرون الإسلام كمــا كان يعكســه يزيــد فقــط، واتســم خطابهــا فــي الشــام كذلــك بالقــوة والتحـدي، فحطمـت جبـروت ملـك جائـر فـي عمـق مملكتـه.

 رابعـاً: خطابهـا فـي الكوفـة كان فيـه إنـذار وتهديـد ووعيـد بالعذاب، بغيـة إيقاظ بعـض الضمائـر النائمـة التـي حملـت فوق ظهرهـا هذا الذنـب العظيم، فعلـى الرغم مــن فســاد المجتمــع الكوفــي إلا أنــه كان لا يخلــو مــن أتبــاع أهــل البيــت (عليهــم السلام) ولكنهـم فـي ذاك الوقـت كانـوا قلّة. أمـا خطابهـا فـي الشـام فقـد صرحـت مـن خلالـه بـأن خطابهـا هـذا لـن يؤثـر فـي يزيـد ولا أصحابـه، ولـم تكـن ترتجـي التأثيـر فيهـم ولا تنتظـر توبتهـم فمـن أقـدم علـى هـذا الفعـل حتمـا لـن يتأثـر بشـيء، لكنهـا تحدثـت لتحقـق أهـداف الثـورة ومـن ضمنهـا فضـح سياسـة يزيـد وتأجيـج الـرأي العـام ضـده وبيـان أهـداف ثـورة الحسـين لكبـار الشـخصيات في المجتمـع الأموي وغيرهـم.
خامسـاً: وهـي النقطـة الأهـم والأعـم، ألا وهـي أن الخطبتيـن بـكل مـا فيهمـا من كلمـات ومعانـي ارتبطتـا مباشـرة بالأنثروبولوجيـا الإجتماعيـة والثقافيـة للمجتمـع الكوفــي والشــامي، فالســيدة (ع)  لــم تتحــدث إلا عــن ســابق معرفــة وعلــم بــكل الجوانـب وبـكل النواحـي اجتماعيـة أو ثقافيـة أو تربوية أو دينية بدءاً بالمخاطبين وانتهاءاً بالنتائج وتحقيق الأهداف.

 

الخاتمة

      إنّ خطـاب زينـب (ع) كان مـن أهـم أسـباب انتصـار الثـورة الحسـينية، فقـد قامــت بعــد رحلــة الســبي الثــورات ضــد النظــام الأمــوي، وبالــذات فــي الكوفــة والشــام، حتــى ســقطت دولــة الكفــر والطغيــان.
إنّ الخطابـات العاشـورائية ليسـت خطابـات انقرضـت واختبـأت خلف جدار الزمـن، بـل هـي حيـة متجـددة مـا دامـت الشـمس تشـرق على صـراع الحـق والباطل حتــى الســاعة، والدراســة التاريخيــة لا تقتصــر علــى تســجيل الأحــداث، و إنمــا الهـدف منهـا عكسـها علـى الحاضـر والتنبـؤ بالأحـداث المسـتقبليةهـذا إن شـاء الله مـا نسـعى لتحقيقـه مـن خلال عرض هذه البحـوث التاريخية والغـوص بين مفردات المؤرخين وحـروف الكتاب والمدونينفخطــاب عاشــوراء كان ولازال ثــورة متقــدة فــي وجــه الظلــم والطغيــان، منــه نسـتمد نحـن شـيعة أميـر المؤمنيـن هـذا الإندفـاع والتلهـف لنصـرة القائـم عجـل الله تعالـى لـه الفـرج، خطـاب عاشـوراء علمنـا كيـف أن الكلمـة أقـوى مـن حد السـيف، ولا ينبغي للمسـلم الشـيعي الحسـيني أن يقلل من أهمية الكلمة عندما تسـتدعي الحاجة لذلــك، فالصّمــت علــى الجرائــم الاإنســانية التــي تُرتكــب والمجــازر الدمويـة التـي تحـدث فـي شـتّى أنحـاء العالـم وبالـذات فـي الأقطار الشـيعية، حتماً هـي أحـداث تسـتدعي الثـورة بالسـيف والكلمة.

 

[1] الشيخ عدنان فرحان، نهضة كربلاء والعزة الحسينية، ص241.

[2] http://ar.wikishia.net\view

[3] السيد نبيل الحسني، الإنثروبولوجيا الإجتماعية الثقافية لمجتمع الكوفة عند الإمام الحسين، ص26.

[4] http://ar.wikishia.net\view

[5] الخطبة 34، 69، 97،27.

[6] المسعودي، مروج الذهب، الجزء 2 ص396.

[7] الشيخ عدنان فرحان، نهضة كربلاء والعزة الحسينية، ص 321.

[8] الإنثروبولوجيا الإجتماعية الثقافية لمجتمع الكوفة عند الإمام الحسين، السيد نبيل الحسني، ص173، العتبة الحسينية المقدسة.

[9] الشيخ حسن الصفار، المرأة العظيمة، ص 210.

[10] سورة مريم، الآية 89.

[11] المرأة العظيمة، حسن الصفار، ص 217.

[12] من التمدن الإسلامي، محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي.

[13] الصراع بين الأمويين ومبادئ الإسلام، نوري جعفر، ص 47.

[14] مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، محمد أمين الأميني، الجزء السادس، ص 55.

[15] الملحمة الحسينية، الأستاذ مرتضى المطهري، الجزء الثالث.

[16] مع الركب الحسيني، محمد أمين الأميني، الجزء السادس، ص 107.

[17] الملهوف على قتلى الطفوف، ص 213، 214.

[18] المرأة العظيمة، حسن الصفار، ص237.

[19] نقلاً عن محمد جواد مغنية، الحسين وبطلة كربلاء، ص203.

[20] مرتضى مطهري، حماسة حسيني، الجزء 1، ص272.

[21] دراسات تاريخية في فاجعة الطف، مجموعة من  الكتاب.

[22] السيد علي الخامنئي، الجهاد باب الأولياء، ص 109.

التعليقات