مقالة

شموليّة مفهوم العبادة في حياة الإنسان -السيدة زينب (ع) أنموذجاً

شموليّة مفهوم العبادة في حياة الإنسان -السيدة زينب (ع) أنموذجاً

09 May |2024

أعطـى الديـن الإسلامي لمفهـوم العبـادة أهميـة كبيـرة، وذلـك لأنـه الهـدف مــن خلقــة الإنســان ومجيئــه إلــى هــذه المعمــورة. فــي هــذا المقــال سُــلّط الضــوء علـى مفهـوم العبـادة علـى محوريـن، تنـاول الأول منهمـا شـموليّة مفهـوم العبـادة ومــا يحتويــه علــى مصاديــق تختلــف عــن الطّقــوس الدينيـّـة مــن قبيــل الصّبــر وخدمـة العيـال والعفـاف مسـتندين فـي ذلـك علـى أحاديـثٍ مـن السـنة الشـريفة. وتطــرّق المقــال إلــى اســتمراريّة العبــادة وذكــر آلياتهــا مــن قبيــل تلاوة القــرآن والدعـاء والتّسـبيح، ثم بيّنـا أنّ العبـادة لهـا شـروط للقبـول كالإيمـان الراسـخ بـالله تعالــى والتقــوى والــورع والولايــة، وأنّ للعبــادة درجــات أقلّهــا عبادتــه تعالــى شــكراً لأنعمه، وأرقاهـا عبادتـه تعالـى معرفـة بأهليتـه. وأمـا المحـور الثاني، فحمـل عنـوان عبــادة الســيّدة زينــب (ع) وذلــك انطلاقــاً مــن لقــب (عابــدة آل علــي"ع") فقمنـا بتطبيـق مـا تـم ذكـره فـي المحـور الأول علـى هـذا المصـداق الطّاهر، حيـث كانت (ع) النّمـوذج البـارز فـي الصّبـر والعفـاف وخدمـة العيـال وأنّهـا (ع) كانـت السّـباقة الأولـى فـي العمـل باسـتمراريّة العبـادة وآلياتهـا مـن حيـث التكلّـم بالقـرآن والدّعـاء والتسـبيح، وكيف تحققـت فيها (ع) شـروط العبـادة وأنهـا احتـوت علـى كل درجـات العبـادة، مسـتندين فـي كل ذلـك إلـى الشـواهد التاريخيّـة مـن مصـادر الشــيعة الإماميّة.

المقدمة

      تحتـل العبـادة موقـع الصـدارة فـي الدّيـن الإسلامي، كيـف لا وهـي الهـدف مـن خلقـة الإنسـان فـي هـذه المعمـورة بدليـل قولـه تعالـى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[1]. وعندمـا يكـون الهـدف بهـذه العظمـة، لابـد أن يتناسـب مـع مقتضيـات الحـال، فلا شـكّ أنّ الإنسـان يقـوم بكثيـر مـن الأعمـال التـي تتطلبهـا حياتـه اليوميّـة والتـي تحتـل المسـاحة الواسـعة مـن وقتـه، فهـل تذهـب هبـاءً منثـوراً قبـال الهـدف مـن خلقتـه يـا تـرى؟! هـذا مـا جعلنـا نسـلّط الضّـوء علـى مفهـوم العبـادة في الإسلام ومــدى شــموليّة دائرتــه، مــع تطبيــق المفاهيــم النظريــة علــى شــخص الســيّدة زينـب (ع)، تلـك السـيّدة الّتـي تُوجت بكثيـرٍ مـن السـجايا الراقيـة ومـن الفضائـل الســامية التــي وشــأنها الرّفيــع بمــا فيهــا محــل بحثنــا أي: «عابــدة آل علــي». لنــرى كيـف جسّـدت تلـك السّـيدة الجليلـة مفهـوم العبـادة فـي جميـع شـؤون حياتهـا.

العبادة وشموليّتها
      نتطـرّق فـي هـذا المحـور إلـى بيـان مفهـوم العبـادة ومـدى شـموليّته فـي الحيـاة وفـق النظـرة الإسلاميّة، مسـتندين فيـه إلـى مصاديـق مـن السـنّة الشـريفة، مـع عرضٍ مختصر للآليات التي تعمّم هذا المفهوم وتساهم في ديمومته.

مفهوم العبادة
      معنــى العبــادة لغــةً: الطاعــة مــع الخضوع، والانصياع والتذلّل، وأمّا في الإصطلاح: فهـي نهايـة التّعظيـم وغايـة التذلّل لمـن يسـتحق غايـة الإفضـال ألا وهـو الله ســبحانه وتعالــى[2]، لكــن أخــذت العبــادة معنــى أضيــق فــي الفقــه الإسلامي وأصبحـت بالمصطلـح الخـاص مجموعـة شـعائر يقـوم بهـا العبـد امتثـالا لأمـر الله تعالـى كالصّلاة والصّـوم والحـج والـزكاة والخمـس وغيرها، وانتهـاءً عمّـا نهـى عنـه الشــارع المقــدّس.

شموليّة العبادة
      يمتـاز ديـن الإسلام عـن غيـره فـي مسـألة العبـادة وتعريـف مفهومها، فالعبـادة فـي الدّيـن المحمـّدي الأصيـل لا تتقيـّد أو تقتصـر علـى المناسـك والشـعائر التـي تُقـام بطـرق خاصّـة كمـا نـراه فـي باقـي الأديـان ممّـن يحصـر العبـادة فـي الكنيسـة والمعبـد ويجسّدها مـن خلال بعـض الطقـوس، بـل إنّ العبـادة فـي الإسلام تحتوي علـى شـمولية ووسـعة تحيـط بـكل جوانـب الحيـاة ومجالاتهـا[3]، فالجهـاد عبـادة، والكـدّ علـى العيـال عبـادة، والخُمـس والـزكاة عبـادة، فـي حيـن أنّ كل هـذه الأمـور عبـارة عـن نشـاطات اجتماعيـة يقـوم بهـا الإنسـان كوظيفـة مُلقـاة علـى عاتقـه، إلّا أنّ الهـدف الأسـمى لرسـالة السّـماء تربيـة الإنسـان علـى الإرتبـاط بالمعبـود والوصـال مـع الكمـال المطلـق وهـذا لا يتحقـق إلّا بشـموليّة العبـادة وتوزيعهـا علـى الحقـول المختلفـة للنشـاط الإنسـاني حتـى تظلّـل روح العبـادة كل النشـاطات الصالحـة للإنســان متــى وأنـّـى مــا يكــون، لأجــل أن يتحقــق الهــدف المرجــو مــن خلقتــه.
إنّ الفصـل بيـن العبـادة ونشـاطات الحيـاة المختلفـة، تشـلّ العبـادة وتعطّل دورهـا التربـوي البنـّاء فـي تطويـر دوافـع الإنسـان، وتمكينه مـن أن يتجـاوز ذاتـه ومصالحـه الضيّقــة فــي مختلــف مجــالات العمــل. ومــن هنــا كانــت الشــريعة تشــمل كل مجــالات الحيــاة وحثّــت علــى ممارســة العبــادة فــي كل عمــل صالــح يمكــن للإنســان القيــام بــه، إذ بهــذا القصــد ســتكون ســاحة المســجد ومعنويتهــا ممتــدّة وشــاملة لــكل مســرح الحيــاة.[4]

مصاديق من شموليّة العبادة
      بيّنــت لنــا السُــنّة الشـّـريفة العديــد مــن مصاديــق العبــادة التــي يمكننــا أن نمارسـها فـي غيـر المحـراب، وهـا نحـن نشـير إلـى بعـض منهـا فـي هـذه العجالـة:
الصّبــر: فقــد جــاء عــن أميــر المؤمنين(ع): (أفضــل العبادة الصّبر والصمت وانتظــار الفرج)[5]، وليس ببعيــد عنّــا توصيتــه تعالــى بالإســتعانة بالصّبــر والصّلاة علـى الكثيـر مـن أمـور الحيـاة، كمـا بيّن سـبحانه أن الصبـر مـن عـزم الأمـور حيـث يمنـح الإنسـان المقاومـة والثّبـات أمـام جميـع المشـاكل والحـوادث التـي تعتريـه في حياته. ولذا بيّن سبحانه أنّ جزاء الصّابرين عظيم للغاية: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[6]
خدمـة العيـال: يكفينـا فـي هـذا المقام أن نذكر مـا جاء عن رسـول الله(ص) وهو يؤكّد علـى أهميّـة خدمـة العيـال والثـواب المكنـون للعامـل بهـا. فعـن أميـر المؤمنين (ع) قـال: «دخـل علينـا رسـول الله(ص) وفاطمـة جالسـة عنـد القـدر وأنـا أنقّي العدس، قـال: يا أبـا الحسـن قلـت: لبّيـك يـا رسـول الله، قـال: اسـمع منـي -ومـا أقـول إلا مـا أمرنـي ربـي ـ مـا مـن رجـل يعيـن امرأتـه فـي بيتهـا إلا كان لـه بـكل شـعرة علـى بدنـه عبـادة سـنة، صيـام نهارهـا وقيـام ليلهـا، وأعطـاه الله تعالـى مـن الثّـواب مـا أعطـاه الصّابريـن: داود النبـي ويعقـوب وعيسـى(ع) يـا علـي، مـن كان فـي خدمـةِ عيالـه فـي البيـت ولـم يأنـف كتـب الله تعالـى اسـمه فـي ديـوان الشهداء، وكتـب لـه بـكل يـوم وليلة ثواب ألـف شـهيد، وكتـب لـه بـكل قـدم ثـواب حجّـة وعمـرة، وأعطـاه الله تعالـى بـكل عرق فـي جسـده مدينـة فـي الجنـة[7].
العفــاف: والمــراد منــه حفــظ النّفــس عــن كل مــا لا يحــل ولا يجمل قــولاً أو فعلاً، وهـو أمـر فـي غايـة الأهميّـة إلـى درجـة أن رسـول الله(ص) يصفهـا بأنهـا المنشـأ للكثيــر مــن الصفــات الكريمــة الأخرى، كالرّضــا والخشــوع والجــود والسّــخاء وغيــره [8]، ولــذا يعلّمنــا صلــوات الله عليــه بــأن ندعــو ونطلــب العفــاف مــن الله تعالـى فقـد ورد عنـه(ص): (اللهم إنّي أسألُك الهُدَى والتُّقى والعفَاف والغِنى)[9] حتّى نعبد الله تعالى كما أراد فإنّ (أَفْضَلُ العِبادةِ الْعفافُ) [10] وحتّى نتّصف بصفات المتّقين الذين قال عنهم أميرهم(ع): بأنّ (أَنْفُسُهُمْ عَفيفَةٌ) [11].

استمرارية العبادة
      مــن الأمــور المهمـّـة الّتــي ينبغــي علــى الإنســان اتّباعهــا فــي حياتــه هــي الإسـتمرارية فـي العمـل الحسَـن، وهـذا مـا أكّـد عليـه الدّيـن الإسلامي، فعـن رسـول الرحمـة (ص): (إن أحـبّ الأعمـال إلـى اللّه مـا دام و إن قـل)[12]، وكـذا القـرآن الكريـم عندمـا يشــير إلــى بعــض الســجايا الوضيعــة فــي واقــع الإنســان كالجــزع والبخــل يســتثني المصلّيـن لكنـه فـي الوقت نفسـه يؤكد علـى المصلّين الدّائمين فـي أداء صلواتهم، ولذا يقول عزّ وجل: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا*إِلَّا الْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾[13]، أي أنّهـم مداومـون علـى مـا يأتـون بـه مـن الصلاة كائنـة مـا كانـت لأنّ العمـل إنمـا يكمـل أثـره بالمداومـة[14].
      ولا شـكّ أنّ هـذه المداومـة فـي الصلاة وفـي غيرهـا مـن العبـادات هـي التـي تتـرك أثرهـا البالـغ فـي محـو الرذائـل الأخلاقيـّة والوسـاوس الشـيطانيّة بشـكل عام، بل تسـاعد علـى تكريـس و إرسـاء العقيـدة فـي باطـن الإنسـان الـذي يعكس بـدوره على السـلوك العملـي الظاهـري، إذ أنّ الشّـعور بالحضـور الدّائـم بيـن يـدي الله سـبحانه هو الـذي يدفـع بالإنسـان إلـى السـير فـي الصـراط المسـتقيم وهذا هـو الهـدف المبتغى.
      ومـن الجديـر بالذكـر أنّ الشـريعة الإسلاميّة فتحـت لنـا أبـواب المسـتحبّات والنوافل التـي تمنـح الفرص الواسـعة للعبد للحضور في سـاحة القـرب الإلهي، ولذا تؤكّـد السـنّة الشـريفة وأحاديـث العتـرة الطّاهـرة علـى الإلتـزام بالنوافـل فقـد ورد عـن الإمـام الباقـر(ع) بـأنّ الآيـة المباركـة: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ تشـير إلـى النوافـل، لأن التّعبيـر بالمداومـة يناسـب الصلاة المسـتحبة حيـث يمكـن للإنسـان ممارستها في حين وتركها حيناً آخر[15]. كما أتاح لنا البارئ تعالى التّحدث إليه ودعائه ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[16]. ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾[17].

آليات استمرار العبادة
      إن أهـم آليـّة لإسـتمرار عبـادة الله تعالـى هـو ذكـر الله سـبحانه، وقد خـصّ المولـى تعالــى الكثيــر مــن آيــات كتابــه العزيــز بالتّأكيــد علــى الذكــر حيــث قــال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا*وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾[18]، ســواء الذّكــر القلبــي أو الذّكـر اللّسـاني. وأصـل الذّكـر التذكّـر بالقلب، فهـو مـن أعظـم علامـات المحبة، لأنّ مـن أحـب أحـداً ذكـره دائمـاً أو غالبـاً. ويكـون الذّكـر القلبـي بتذكّـر أنعـم الله[19]، ومنه: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾، أو بتذكّر الله بجعلـه نصـب الأعيـن دائمـاً بحيـث يكـون ذكـره سـببا لدفـع العبـد نحـو الطّاعـة أو لردعـه عـن المعصية[20]. وهـذا مـا أشـار إليـه الإمـام الصـادق(ع) بقولـه: (أشَدِّ ما فَرَضَ اللّه على خَلقِهِ ذِكرُ اللّه كثيراً ثم قال لا أعني «سُبحانَ اللّه ِ و الحَمدُ للّه ِ و لا إلهَ إلاّ اللّه ُ و اللّه ُ أكبَرُ» و إن كانَ مِنهُ ، و لكنْ ذِكرُ اللّه عِندَ ما أحَلَّ و حَرَّمَ ، فإن كانَ طاعَةً عَمِلَ بها ، و إن كانَ مَعصيَةً تَرَكَها).

      وأمـا الذكـر اللّسـاني، وهو المعنـى المتبـادر إلـى الذهـن أكثر، فإنّـه يأتـي بالدرجة الثّانيـة بعـد الذّكـر القلبي، ومـا هـو إلا آلـة لذكـر الله، لأجـل إحيـاء القلـب مـن الغفلـة وسـوقه نحـو الإرتبـاط بالحق تعالـى. وقد لا يرافق الذّكر اللّسـاني حضور القلب، لكن مـع ذلـك يبقـى الثـواب مدّخـراً للعبـد، لأنّ الذّكـر اللّسـاني يمنعـه مـن التّكلـم باللّغـو ويجعـل لسـانه معتـاداً بالخيـر، و إن اتّفـق القلـب مـع اللّسـان فهـو الأفضـل لا محالـة.
ويتـم الذكـر اللسـاني مـن خلال الأمـور التاليـة:

  • تلاوة القرآن
    وصـف الله تعالـى عبـاده المؤمنيـن بأنّهـم تاليـن لكتابـه وذلـك رجـاء للتّجـارة معـه سـبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾، والتّلاوة هنا لا تعنــي مجــرد القــراءة الســطحيّة الخاليـة مـن التفكّر والتأمّل _وإن كانـت جيـدة بحـد ذاتهـا_، بـل قـراءة تكـون سـبباً وباعثـاً علـى التفكّر، الـذي يكـون بـدوره باعثـاً علـى العمـل الصالـح، الـذي يربـط الإنسـان بـالله وبخلقـه .
    إذاً مـن أهـم صفـات المؤمنيـن أن ألسـنتهم تلهـج بذكـر الله وتلاوة آياتـه، إذ لاشـك بـأنّ تلاوة القـرآن إلـى جنـب مـا فيهـا مـن ثواب، تخلـق فـي النفـس معطيـات منهـا باختصـار مـا يلـي:
    1. التّفاعل الوجداني مع تعاليم القرآن الخالدة.
    2. التّطهير النّفسي بالتأثّر بإرشاداته المطهرة.
    3. تغذية الشعور. إذ يشعر الإنسان بأعظم الشرف ولسانه يرتّل كلام الله عز وجل[21].
  • الدعاء
          أتــاح لنــا البــارئ تعالــى التّحــدث إليــه وأمرنــا بدعائــه حيــن قــال:﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[22]، ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾[23]. كمــا قــد حثـّـت الشــريعة الإسلامية علــى الدّعـاء كثيـراً بمـا أنّه أحـد المناهـل التـي جعلهـا الله تعالـى للـورود عليـه والتقـرّب إليـه أولاً، ولمـا لـه مـن تأثيـر كبيـر فـي الإرتبـاط مـع الحـقّ تعالـى والحظـي بعنايتـه.
  •       ثانيا، وقــد أشــارت الآيــة الكريمــة ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾[24] إلى هذه الحقيقة، بمعنــى أنّ الله تعالــى لا يبالــي بكــم ولا يجعــل لكــم منزلــة عنــده، لــو لا دعاؤكـم الـذي هـو عبـارة عـن عبوديتكـم وذكركـم وتوجّهكـم إليـه سـبحانه [25] وهـذا ما يجلنا ندرك مدى قول الباقر (ع): (أَفْضَلُ الْعِبادَةِ الدُّعاءُ)[26].

وقـد عُرف أهـل الإيمـان مـن النبييـن والصدّيقيـن بالدّعـاء دائمـاً، لأنّ الدّعـاء عبـارة عـن إقبـال العبـد علـى الله للتقـرّب إليه، وهـذا مـا يصبـو إليـه أوليـاء الله، فقـد ورد فــي كتــاب الله الكثيــر مــن دعــوات الرّســل والأنبيــاء(ص) التــي تعلّمنــا كيــف نخاطب المعبود فـي دعواتنـا كقـول النبـي إبراهيم (ع):  ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾[27]. وغيــر ذلــك مــن الدّعــوات الــواردة عــن لســان أنبيــاء الله حتـى سـمي النبـي أيـوب(ع) أوّاه لكثـرة دعائـه[28]. ولا يخفـى مـا وردنـا مـن تـراثٍ عظيم فـي الدّعـاء مـن أئمتنـا الأطهـار (ع) ممـا يبيـّن مـدى أهميـة الدعـاء وعظيـم فضيلتـه.

ج. التسبيح
يشــير القــرآن الكريــم إلــى حقيقــة مهمّــة وهــي أنّ كل مــا فــي الكــون يســبّح لله عزّ وجل: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾[29] فالتّسـبيح تنزيـه قولـي كلامـي وحقيقـة الــكلام الكشــف عمّا فــي الضميــر بنــوع مــن الإشــارة إليــه والدلالــة عليــه غيــر أنّ الإنسـان لمّا لـم يجـد إلـى إرادة كلمـا يريـد الإشـارة إليـه مـن طريـق التّكويـن طريقـاً التجـأ إلـى اسـتعمال الألفـاظ بما فيهـا تنزيـه الله تعالـى عـن كل نقـص[30]
ومــن هنــا كان قولــه تعالــى لرســوله الكريــم ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ تأكيـداً علــى تنزيهـه وتحميـده إذ أنّ للـرّب تعالـى علـى عبـده أن يذكـره بصفـات كمالـه ويذكـر نفســه بمــا لــه مــن النقــص والحاجــة[31] ولما كان الرســول(ص) فلاشــك إذن أنْ يتبعه الكثيــر فــي ســلوكه وخاصــة المؤمنــون ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا*وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ لأنّ التّسـبيح يذكّـر العبـد بمـدى حاجتـه وفقـره إلى الله تعالى أولاً، ويجعـل العبـد فـي حالـة اسـتمرار لذكـر مـولاه منزّهـاً لـه مـن كل نقـص ومعترفـاً له بـكل كمـالٍ وجمـالٍ ثانيـاً. ومـن جهـة أخـرى إنّ التّسـبيح يعطـي للعبـد قـدرة وقـوة ونـوراً وصفـاءً، ويخلـق فيـه تجلّيـاً وانفتاحـاً، ويقـوّي ارتباطـه مـع الله تعالـى، مثبّتاً فيه إرادة وقـدرة أكبـر للتحمّـل والثبـات والمجاهـدة فـي قبـال أعـداء الله[32].

شروط العبادة
انطلاقاً مــن وصيـّـة أميــر المؤمنين(ع): ( كونُوا لِقَبُولِ الْعَمَلِ أَشَدِّ اهْتِماماً مِنْكُمْ بِالعَمَلِ) [33] ينبغي الإلتفات إلى مسألة قبـول العبـادة، فهنـاك شـروط لقبـول العبـادة ذكرهـا لنـا القـرآن والسـنّة الشـريفة لابـد مـن معرفتهـا، فعـدم قبـول العبـادات يــوم القيامــة حقيقــة نبّأنــا بهــا الوحــي المبــارك كــي نأخذهــا بنظــر الإعتبــار ولا تكــون أعمالنــا ﴿كَسَرابٍ بِقيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾[34] وسنشير إلى أهمّ هذه الشروط في هذه العجالة:

أ.الإيمان بالله تعالى
      إذ مـن دون هـذا الشـّ
رط لا يكـون للعبـادة معنـى، فمـن الإيمـان ينطلـق العبـد نحـو عبـادة الله سـبحانه وبمجـرد إنتفـاء الإيمـان سـوف تنتفـي كل الأعمـال التـي قـام بهـا العبـد ولـذا يقـول جلّ وعلا  فـي كتابـه الكريـم: ﴿وَمَن يَكفُر بِالإيمانِ فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرين﴾[35] لأن الكفــر فــي الأصــل هــو السّــتر فتحقــق مفهومــه يتوقّــف علــى أمــر ثابــت يقـع عليـه السـتر فالكفـر بالإيمـان يقتضـي وجـود إيمـان ثابـت فـي قلـب المؤمـن، تنطلـق منـه الاعتقـادات الحقّـة التـي هـي منشـأ الأعمـال الصالحـة فيـؤول معنـى الكفـر بالإيمـان إلـى تـرك العمـل بمـا يعلـم أنـه حـق كتولـي المشـركين والاختلاط بهـم والشـراكة فـي أعمالهـم مـع العلـم بأحقيـة الإسلام[36]، وهـذا الأمـر يحبـط جميـع العبـادات التـي يقـوم بهـا الفـرد. ومـن الآيـات القرآنيـة الأخـرى التـي عـدت الإيمـان شـرطا لقبـول الأعمـال قولـه تعالـى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ﴾[37].

إذن؛ الإيمــان بــالله شــرط اعتقــادي لتحقــق العبــادة وقبولهــا، و إلا ســيجد الإنسـان نفسـه مصداقا لقوله تعالى ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالً*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا*أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا﴾[38].

ب.التقوى والورع
      التقـوى مـن المفاهيـم الدينيـة القيّمـة، وهي جعل النفس فـي وقاية ممّا يخاف منـه، كحفـظ النفـس عمّا يُؤثـم[39]. وللتقـوى مكانـة عظيمـة فـي دين الإسلام، حيث جعلهـا الله تعالـى الميـزان والمعيـار لتفاضـل البشـر عنـده حيـث قـال ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾[40] كمـا جعلهـا الشـرط الأسـاس لقبـول العبـادات وذلـك فـي قولـه جل وعلا ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[41] وأداة الحصـر خيـر شـاهد علـى التأكيـد فـي المقـام.
      وأمّــا موقــف السُــنّة الشــريفة مــن التّقوى، فلقــد زخــرت عبــارات النبــي(ص) وأهــل بيتــه الأطهــار (ع) بالإهتمــام بهــذا المفهــوم الأساســي حتــى دوّن التاريــخ خطبــة كاملـة لأميـر المؤمنين(ع) يصـف فيهـا المتّقيـن ومـا ذلـك إلّا لأهميـة هـذه القيمـة الأخلاقيـة عنـد أهـل البيت(ع).
      كمـا وأكّـد رسـول الرحمـة(ص) علـى هـذا الشّـرط فـي قبـول العبـادات فقـال موصيـاً أبــا ذر الغفــاري: (يا أبا ذَرّ كنْ ورِعَاً تكنْ أعْبَد النّاس.. واعلم أنكم لَوْ صَلَّيتُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالأَوْتارِ وصُمْتُمْ حتَّى تَكُونُوا كَالْحَنَايا لَمْ يقْبَلِ الله مِنْكُمْ إلّا بِوَرَعٍ)[42]، إذ أنّ العبـادات التـي تسـتند إلـى الـورع والتّقـوى والنيّـة الخالصـة هـي التـي يريدهـا الله تعالـى مـن عبـاده و إن كانـت كميـّة العمـل قليلـة نسـبة إلـى كيفيتـه[43].

ج.ولاية أهل البيت

      إنّ الله تعالـى جعـل طاعتـه فـي سـبلٍ معيّنـة وتحـت شـروط خاصّة، وأهـم هـذه الشـروط هي قبـول ولايـة أهـل البيـت(ع) لأنّهـا الدليـل علـى باقـي أركان الإسلام، وبدونهـا لا يمكـن للإنسـان أن يهتـدي نحـو الطريـق الصحيـح الموصـل إلـى حقيقة العبـادة بمـا فيهـا الصّلاة والصيـام والحـج والـزكاة وغيـر ذلك، وهـذا مـا صـرّح به الإمـام الباقـر(ع) لـزرارة بـن أعيـن: (بُنِيَ الإسلامُ على خَمْسَةِ أشْياءَ : عَلى الصَّلاةِ ، و الزَّكاةِ ، و الحَجِّ ، و الصّومِ ، و الوَلايةِ. قالَ زُرارَةُ : فقلتُ : و أيُّ شَيْءٍ مِنْ ذلِكَ أفْضَلُ ؟ فقالَ : الوَلايةُ أفْضَلُ؛ لأنّها مِفْتاحُهُنَّ ، و الوالي هُوَ الدَّليلُ عَلَيْهِنَّ)[44]وقـد عبّـر عـن الولايـة بأنهـا حصـن الله الحصينـة وذلـك فـي الحديـث القدسـي: (وَلَايَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِصْنِي فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي)[45]، وهذا الحصـن هـو حصـن التّوحيـد نفسـه الـذي عبّـر عنـه الإمـام الرضـا(ع) فـي حديـث سلسـلة الذهـب:«كَلِمَةُ لا اِلهَ اِلاَّ اللّهُ حِصْني فَمَنْ دَخَلَ حِصْني اَمِنَ مِنْ عَذابي بِشَرطِها وَشُروطِها وَأنَا مِن شُروطِها».

      والمعنــى واضــح فــي المقــام بــأن التوحيــد هــو قلعــة الله المؤمنــة مــن العــذاب لكــن الدخــول فيهــا مشــترط بقبــول ولايــة أهــل البيـت(ع)، وعليـه كان أصـل الولايـة أصلاً أساسـيّاً فـي صحـة وقبـول الأعمـال مـن العبـاد. ولا شـكّ أنّ هـذا الشـرط وضعـه الله سـبحانه بحكمتـه البالغـة ليعلـم عبـاده بــأن أهــل البيـت(ع)  هــم بــاب الله ومــن يتــرك هــذا البــاب ســوف لــن يصــل إلــى صاحـب الـدار أبـداً ، وأن مـا يفعلـه مـن عمـل سـيكون عبـارة عـن هبـاءٍ منثـور.
      إنّ تأكيـد نبـي الإسلام وأهـل بيتـه(ع) علـى مسـألة الولايـة مـا كان منطلقـاً إلّا مـن حقيقـة مهمّـة يدركونهـا ويحرصـون علـى تفهيمهـا للآخريـن حتـى يلقـوا الحجـة عليهـم مـن جانب، ومـن جانـب آخـر لحرصهـم علـى هدايـة النـاس وحبهـم العظيـم لعبــاد الله، وهــذا مــا يجعلهــم يذكرون أتباعهــم بيــن الفينــة والأخــرى بــأنّ مســألة الولاية مسألة ذات موقع عظيـم فـي منظومـة العبادة، ومـن ذلـك مـا ورد عـن الإمـام الباقر (ع): (لَوْ أَنَّ رَجُلاً قَامَ لَيْلَهُ وَ صَامَ نَهَارَهُ وَ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَ حَجَّ جَمِيعَ دَهْرِهِ وَ لَمْ يَعْرِفْ وَلاَيَةَ وَلِيِّ اَللَّهِ فَيُوَالِيَهُ وَ يَكُونَ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ بِدَلاَلَتِهِ إِلَيْهِ مَا كَانَ لَهُ عَلَى اَللَّهِ حَقٌّ فِي ثَوَابِهِ أّبَداً)[46]، وقوله (ع): (اِلْزَمُوا مَوَدَّتَنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ فَإِنَّهُ مَنْ لَقِيَ اَللَّهَ وَ هُوَ يَوَدُّنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ دَخَلَ اَلْجَنَّةَ بِشَفَاعَتِنَا وَ اَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَنْتَفِعُ عَبْدٌ بِعَمَلِهِ إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ حَقِّنَا)[47]

درجات العبادة
      اختلفــت الحوافــز التــي تدعــو الإنســان إلــى عبــادة الله تعالــى، فلا شــك أن الجميــع يــدرك كــون العبــادة أمــراً فطريــاً، لكــن مــا يجعــل الحافــز لأداء هــذا الميـل الفطـري مختلفـا مـن فـرد إلـى آخـر هـو نظـرة الإنسـان إلـى حقيقـة العبـادة والهـدف منها، ولـذا أشـار الإمـام أميـر المؤمنين(ع) إلـى حوافـز العبـادة عنـد البشـر ليبيّــن لنــا مــا هــو الهــدف مــن عبادتنــا لله تعالــى وكيــف ينبغــي أن تكــون حتــى نقـف علـى واقعنـا العبـادي وكيفيـة حركته. يقـول الإمـام(ع): ( إلهي مَا عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نَارِكَ وَ لاَ طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ لَكِنْ وَجَدْتُكَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُك)[48]. إنّ مـانفهمـه مـن هـذا البيـان أنّ أهـداف النـاس فـي عبادتهـم تكـون علـى ثلاثـة أشـكال، إمـا الخـوف أو الطمـع أو معرفـة أهليّة المعبود، كمـا عبـر الإمـام(ع) فـي حديث آخـر عـن هـذه الفئـات بأنهـم إمـا عبيـد، أو تجـار، أو أحـرار لكـن يجـب
الالتفـات إلـى مسـألة هامة هنـا وهـو أن الإمـام(ع) لا يريـد أن ينقـص مـن عبـادة الله عـن خـوف أو عـن رجاء، و يقلـل مـن شـأنها أو يبيّن بأنها عبـادة باطلـة، لأن الله تعالـى قـد أوصـى بهـذه الطـرق مـن العبـادة حيـث قـال: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾[49]يصـف المؤمنيـن بأنهـم ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُم عَنِ ٱلمَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفاً وَطَمَعاً﴾[50]، وأنهم ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾[51]. إنّ 
هذه الآيـات تحبـّذ هـذا النـوع مـن العبـادة لأنّ هـذا النـوع مـن العبـادة لـكافٍ فـي مقـام الإمتثـال والطاعـة لله تعالـى، وإنّ كافـة البشـر لا يسـتطيعون أن يتجـاوزوا هـذه المرحلـة مـن العبـادة لأنهـا فـوق طاقتهـم ودائــرة إدراكهــم، و إنّ الله لا يكلّــف نفســاً إلا وســعها[52]، فتبقــى هــذه الدرجــة مــن العبــادة (عبــادة الأحــرار) لأوليــاء الله المعصوميــن وأمثالهــم الذيــن عبــر عنهــم تعالـى بأنهـم مخلصيـن لا يعتريهـم الشـيطان بوساوسـه ﴿وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾[53].

      وأمّـا عبـادة الأحـرار المنطلقـة مـن معرفـة أهليـّة المعبود، فأنّهـا علـى درجـات ومراتـب، لأن العبـادة وجـود مشـكك، ولـذا فهو يختلـف من حيث الشـدّة والضعف إلــى آخــر، وإن كان أغلــب النّــاس مــن الفئتيــن الأوليّتيـن كمـا أشـرنا أعـلاه.

وأمّا درجات عبادة الأحرار فهي كالآتي:
الدرجة الأولى: عبادة الله شكراً

      جاء في تعريف العبادة بأنّها ضرب من الشّكر وغاية فيه[54]، إذ لا شك بأنّ امتثال العبـد لأمـر مـولاه يُعـد شـكراً للمولـى بخلاف لو تمـرّد عليه، هذا على وجـه العموم، فما بالـك إن كان المولـى هـو الله تعالـى الـذي أنعـم علـى عبـاده بنعمـة الوجـود ورزقهم من الطيبات من حيث لا يحتسبون ﴿وأَسْبَغَ عَلَیْکُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَ بَاطِنَةً﴾ [55]، ألا يستحق أن يُعبـد ويُطـاع شـكراً علـى مـا أنعـم؟! مـن هنـا نجد القـرآن الكريم يؤكّد على شـكر الله تعالـى ليـس علـى مسـتوى القـول فحسـب و إنمـا علـى مسـتوى العمـل أيضـا فقوله عز وجل: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُکراً﴾[56] أي اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكراً له على ما آتاكم[57]، وهـذا أقـل درجـة فـي درجـات عبـادة الأحـرار التـي بينهـا الإمـام علي فـي حديثـه: (إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْعَبِيدِ وَ إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اَللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ اَلْأَحْرَارِ)[58].
      ومـن هـذا المنطلـق كان الشـكر والحمـد والثنـاء لله مـن الأمـور المهمّـة لأوليـاء الله، ســواء علــى مســتوى اللّفــظ أم علــى مســتوى العمــل، لأنّ عمليّــة الشــكر مســألة عقلية، تنطلـق مـن موضـع معرفـة المُنعـم لأجـل شـكره علـى مـا أنعـم ولـذا عُدّ شـكر المنعـم مـن الطـرق العقليـّة لمعرفـة الله تعالـى. وقـد أخبرنـا بذلـك صـادق العتـرة (ع) حين قال: (لَوْ كَانَ عِنْدَ اَللَّهِ تَعَالَى عِبَادَةٌ تَعَبَّدَ بِهَا عِبَادُهُ اَلْمُخْلَصُونَ أَفْضَلَ مِنَ اَلشُّكْرِ عَلَى كُلٍّ لَأَطْلَقَ لَفْظَةً فِيهِمْ مِنْ جَمِيعِ اَلْخَلْقِ بِهَا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ أَفْضَلُ مِنْهَا خَصَّهَا مِنْ بَيْنِ اَلْعِبَادَاتِ وَ خَصَّ أَرْبَابَهَا فَقَالَ ﴿وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبٰادِيَ اَلشَّكُورُ﴾[59])

الدرجة الثانية: عبادة الله حبّاً
      الحديـث هنـا ليـس فـي مجـال العقـل والمعرفـة الـذي كان يدعونـا فـي المرتبـة السّـابقة إلـى معرفـة المنعـم وشـكره، بل الحديـث هنـا فـي مجـال القلـب والوجـدان والحـب المنطلـق مـن الميـل الفطـري والإنجـذاب نحـو الكمـال والجمـال وهـو أن تتحـوّل عمليـة العبـادة مـن عمليـةٍ عقليـة تُرشـد الإنسـان نحـو شـكر المنعـم إلـى عمليّـة قلبيّـة وجدانيّـة تنصـاع لعشـق المعبـود والهيـام فيـه. وكلمـا ازداد الإنسـان إيماناً كلمــا أدرك الصفــات الرحمانيــة والرحيميــة لله تعالــى فعبــده حبــاً له، ولــذا يقـول تعالـى: ﴿و الَّذِینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلهِ[60] فهـم يعيشـون حالـة الشـوق والرغبـة فـي عبادتهم لله تعالـى بـل ويجـدون الرّاحـة والسّـكينة فـي ذلـك، ولـذا كان رسـول الله(ص) يقـول حينمـا يأتـي وقـت الصلاة: (أرِحْنا يَا بِلال)[61]، لأنّه كان يعيش الحب للمعبود ويتمنـى الوصـال بـه دائمـاً فيبيّن ذلـك لأمتـه ويوصيهـم بـأن تكـون عبادتهـم لله نابعة عن حبٍ وعشق فيقول: (أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها وأحبها بقلبه، وباشرها بجسده وتفرغ لها، فهولا يبالي على ما أصبح من الدنيا، على يسر أم على عسر)[62].

الدرجةالثالثة:عبادة الله معرفة
        وهـي الدّرجـة التـي لا يصـل إليهـا إلا النبيـّون والصالحـون والصدّيقون، حيـث لايـرى العبـد فـي هـذه الدرجـة لنفسـه شـيئاً ولا للكون الـذي يعيش فيـه وجوداً، إنما يـرى كل الوجـود هـو الله تعالـى؛ وهـذا بمعنـى إدراك عظمـة المعبـود ومعرفـة صفاتـه الكماليـّة والجلاليـّة حـق المعرفـة، المعرفـة التـي يقـول عنهـا أميـر المؤمنيـن(ع): (لَكِنْ وَجَدْتُكَ أَهْلاً لِلْعِبَادَةِ فَعَبَدْتُك)[63]. إن انطلاقـة العبـادة هذه تكـون من قاعدة معرفـة أهليـّة المعبـود، و إدراك وجوده، ولـذا فهـي لـن تتسـنى إلا لأصحـاب القلـوب الفانية فـي الله، الذّيـن يصفهـم الحديـث القدسـي: (إن وجوه الزاهدين مصفرّة من تعب الليل و صوم النهار و ألسنتهم كلالٌ إلا من ذكر الله تعالى. قلوبهم فى صدورهم مطعونة من كثرة صمتهم. قد أعطوا المجهود فى أنفسهم لا من خوف نار و لا من شوق جنّة. و لكن ينظرون فى ملكوت السماوات و الأرض فيعلمون أن الله سبحانه أهل للعبادة)[64].

المحور الثاني: عبادة السيدة زينب(ع)
      إنّ لقـب (عابـدة آل علـي)[65] لـم يُطلـق عفويـاً أو اعتباطـاً مـن أئمـةٍ مـا نطقـوا عـن الهـوى؛ فمـن هـم آل علـي حتـى تكـون زينـب عابدتهـم؟سلالةٌ انحدرت من (الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة)[66] فكانوا (كلمة التقوى وأعلام الهدى)[67] وكانت بيوتهم ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾[68] ولسانهم ﴿مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ﴾[69]، فعندما يلقّبون حوراءهم بهذا اللقب فلا شكّ إذن فيما ينطقون.
      وكيــف لا تكــون عابــدة وهــي التــي عاشــت طفولتهــا بكنــف محــراب الزهراء(ع)، تنظــر إلــى أمّها وهــي راكعــة ســاجدة حتى يتّضح عمــود الصبــح[70]، فتتحلّــى بســجايا ســيّدة نســاء العالميــن لتكــون هــي الأخــرى (عابــدة آل علــي) ليـس علـى المسـتوى الخـاص للعبـادة بـل علـى كل مـا تحملـه العبـادة مـن مفهـوم شــمولي يرقــى بالإنســان نحــو الكمــال المطلــق.

زينب(ع) ومصاديق شمولية العبادة
      ذكرنـا فـي الفصـل السـابق أن الإسلام أشـار إلـى كثيـر مـن الأمـور العباديـة التـي يمكننـا أن نمارسـها خـارج المحـراب، وذكرنـا ثلاث مصاديـق منهـا: العفاف، الصبر، خدمـة العيـال؛ نتطـرق هنـا إلـى هـذه الأمـور فـي شـخص السـيدة زينـب(ع).

زينب(ع) والعفاف
      لقـد عُرفـت السـيّدة زينب(ع) بأنّهـا عقيلـة الهاشـميين. والعقيلـة هـي السـيّدة الجليلــة الكريمــة التــي تحتــوي علــى جميــع صفــات الكمــال ممــا يليــق بهــا أن تكــون ســيّدة القــوم، بمــا فــي ذلــك الخــدر والعفــاف. وقــد تجلّــى عفــاف الســيدة زينـب(ع) بـكل أنواعـه فـي شـتّى مراحـل حياتهـا الشـريفة، وخاصّة فـي عاشـوراء حيـث كانـت علـى أتـم صـورة مـن عفـاف السـتر والحجـاب، فلم تجـد أقلام التأريخ المسـمومة ثغـرة واحـدة تسـتطيع أن تنسـبها إلـى عقيلـة الهاشـميين بـل بالعكـس مـن ذلـك، فقـد دوّن التأريـخ ملامـح مـن عفـاف تلـك السـيدة العظيمة، كدخولهـا علـى ابـن زيـاد وهـي فـي قمّة العفّـة والعـزّة حيـث تجلـس فـي ناحيـة مـن القصـر وقــد حفــت بهــا اماؤها، فيســتنكر عليهــا اللعيــن بقولــه: مــن هــذه التــي انحــازت ناحيـة ومعهـا نسـاؤها؟ فلـم تجبه، فيقـال لـه إنّهـا زينـب بنـت فاطمـة بنـت رسـول الله(ص)، فيقبـل عليهـا ليتشـفّى منها، لكنهـا أجابتـه بـكل عـزّة وعفـاف بقولهـا «الحمـد لله الــذي أ كرمنــا بنبيــه» وأنّ مصائــب كربلاء مــا هــي إلّا آيــة جمــال مــن آيــات الله ســبحانه[71].
      وكـذا فـي مجلـس يزيـد حيـن تسـتنكر عليـه قائلـة: «أمـن العـدل يا بـن الطلقاء؟ تخديـرك حرائـرك و إمائـك وسـوقك بنـات رسـول الله سـبايا، قـد هتكـت سـتورهن، وأبديــت وجوههــن، تحــدوا بهــن الأعــداء مــن بلــد إلــى بلــد، يتصفــح وجوههــن القريــب والبعيــد, والشــريف والوضيــع)[72]. إنّ قــول الســيّدة هــذا ينــم عــن مــدى اهتمامهـا بمسـألة العفـاف الـذي هـو مـن مصاديـق العبـادة الّتـي يسـتطيع الإنسـان مـن خلالـه أن يتقـرّب إلـى الله تعالـى.

زينب(ع) والصبر
      لقـد رافقـت المصائـب السـيدة زينـب(ع) منـذ نعومـة أظفارها، حيـث فقدان رســول الله(ص) ومــا حــلّ فــي البيــت الطاهــر مــن بعده. لم تكــن زينــب(ع) ببعيــدة عـن آلام أمّهـا فاطمة(ع)، لـم تكـن بعيـدة عـن كسـر الضلـع، ولا عـن بيـت الأحـزان والبـكاء المسـتمر؛ ولـم تكـن بنـت فاطمـة ببعيـدة عـن وحـدة علـي(ع) وجلوسـه فـي داره لخمـس وعشـرين سـنة؛ ولـم تكـن ببعيـدة عمّـا جـرى علـى الحسـن(ع) وخـذلان المسـلمين لـه حتـى طُعـن فـي خيمته، وأخيـراً عاشـت مصائـب كربلاء التـي مـا رأى الإسلام مصيبـة أعظـم منها، ثـم مـا تلـى كربلاء كان أعظم، والسـيّدة (روحــي لهــا الفــداء) تصبــر وتصابــر وتقــاوم كل بلاء يحــل، وكل فادحــة تنــزل حتــى عُرفـت بـأم المصائـب, وكعبـة الرزايا، ولـذا يكتـب عنهـا أحـد علمـاء الشـيعة بأنهـا: (فــي الصبــر والثبــات وقــوة الإيمــان والتقــوى وحيــدة فريــدة)[73]. أجــل إنّ الســيّدة زينـب(ع) جسّـدت أرقـى معالـم الصّبـر فـي حياتهـا وهـذا مـن أروع العبـادات التـي يمكـن تقديمهـا فـي سـاحة العبوديـة والإمتثـال والتسـليم لله تعالـى.

زينب(ع) وخدمة العيال
      مـن إحـدى المصاديـق الّتـي وردت الإشـارة إليهـا فـي الروايات لتعميـم العبادة هـي خدمـة العيال، وقـد تـم بيانهـا فـي الفصـل الأوّل مـن المقال، حيـث يؤكّـد رسـول الرّحمــة(ص) عليهــا بقولــه: (يَا علي، سَاعةٌ في خِدْمَةِ العِيَالِ خَيْرٌ مِنْ عِبادةِ أَلْفِ سَنَة). وعندما نرجـع إلـى النّمـوذج الأسـمى للعبـادة في مقالنا نجدهـا العابدة على هـذا الصّعيـد أيضـاً؛ فلقـد كانـت خيـر زوجـة لعبـد الله بـن جعفر، وخيـر أم لشهداء الطــف (عــون ومحمد)، وقــد تجلّــى دورهــا أكثــر فــي خدمــة عيــال الحســين(ع) وعيال الشهداء من أصحابه وأهل بيته، لذا ورد في زيارتها: (السَّلاَمُ عَلى مَن لم تَنَمْ عَينُها لأجْلِ حِراسَةِ آل رَسولِ اللهِ في طَف نِينَوَى)[74]، وكذا: (السَّلاَمُ عَلى مَن تَكَفَّلَتْ وَجمَعَتْ في عَصْرِ عَاشُوراءَ بَناتِ رَسولِ اللهِ وَأطفَالِ الحُسينِ وَقامَت لهَا القِيامَةُ)[75].


السيّدة زينب(ع) واستمرار العبادة
      عندمــا نأتــي إلــى ســيّدة هــذه الحروف مولاتنــا العابــدة زينــب(ع)، نجدهــا مصداقــاً واضحــاً للآيــة الكريمـة ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾، فهي التــي كانــت مداومــة علــى نافلتهــا حتــى فــي أشــدّ ظــرف مــرّ عليهــا وأحــزن ليلــة عاشـتها ألا وهـي ليلـة الحـادي عشـر مـن محـرم تلـك الليلـة الموحشـة علـى قلبهـا المفجوع، بفقدهـا لتلـك البـدور المنيـرة مـن أخيهـا ولـي الله(ع) ومـن أفلاذ أكبادها وأخوتهـا وأبنـاء عمومتهـا وفقدهـا لـكل حـامٍ ومعين، لكنهـا روحـي لهـا الفـداء كانـت مواظبــة علــى نافلتهــا الليلة، حيــث ورد عــن الإمــام زيــن العابديــن(ع) : (رأيتهــا تِلـك ُ الليلـة تصلي من جلوس)[76]، وهـذا خيـر دليـل علـى أهميـّة الإسـتمرار والـدوام علــى العبــادة عنــد الســيدة(ع)، لأنها علــى علــم تــام بأهميــة هــذا الإتصــال بيــن العبـد والمولـى جـلّ جلاله الـذي لا بـدّ أن لا ينقطـع أبداً. والعبـد الحـاذق هـو ذلـك الشّــخص الذي يجعــل هــذا الإتّصــال مدامـاً علــى كل حركاتــه وســكناته خاصّـة وأنّنــا أشـرنا فـي بـادي البحـث أنّ العبـادة لهـا مفهـوم أوسـع مـن الاقتصـار علـى أداء بعـض الطقـوس الدينيـّة. كمـا وقـد ذكرنـا فيمـا سـبق إن أهـم آليـات اسـتمرار العبـادة هو ذكر الله سـبحانه وتعالـى الـذي يمكـن أن يتجلـّى مـن خلال (تلاوة كتـاب الله, الدعـاء, التسـبيح)، فللنظـر كيـف كانـت هـذه الآليّـات عنـد سـيدتنا زينـب(ع).

زينب(ع) والقرآن
      عندمـا تكـون جاريـة الزهـراء(ع) (فضّـة) لا تتكلـم إلّا بالقـرآن[77] فمـا بـال ابنتهـا يـا تـرى؟!.. لا شـكّ أنّ بنتـاً كزينـب(ع) تربـّت فـي حجـر البتـول(ع) وانتهلـت مـن فيـض علي(ع)، وترعرعـت فـي بيـتٍ كان المهبـط لوحـي الإله، بـأن تكـون حافظـة لكتــاب الله، تاليــة لآياته، مفسّــرة لمحتــواه[78]، بحيــث تعيــش كلماتــه وتتحدثّ بها، وهــذا مــا نلمســه مــن خطبهــا المباركــة؛ فممّا جــاء فــي خطبتهــا لجمــع أهــل الكوفة: (يـا أهـل الكوفـة، يـا أهـل الختـل والغـدر!! أتبكـون؟ فـلا رقـأت الدمعـة، ولا هــدأت الرنــة. إنمــا مثلكــم كمثــل التــي ﴿نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ﴾[79]... ألا سـاء مـا قدّمـت لكـم أنفسكم أن سـخط الله عليكـم وفــي العــذاب أنتــم خالــدون[80] ... أتبكــون وتنتحبــون؟ إي والله، فابكــوا كثيــرا واضحكـوا قليـلًا[81] فلقـد ذهبتـم بعارها وشـنارها، ولن ترحضوها بغسـل بعدها أبداً .. ألا ســاء مــا تــزرون [82]وبعــداً لكــم وســحقاً[83] فلقــد خــاب الســعي، وتبــت الأيــدي، وخســرت الصفقــة، وبؤتــم بغضــب مــن الله وضربــت عليكــم الذلــة والمســكنة [84] ويلكـم أتـدرون أي كبـد لمحمـد فريتـم وأي دم لـه سـفكتم، وأي كريمـة لـه أصبتـم؟ ﴿لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾[85] ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى﴾[86]، وأنتم لا تُنصَرون[87]. فلا يَيستخفّنكم المُهَل، فإنّه لا يَحفِزُه البِدار، ولا يَخافُ فَوتَ الثار، و ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرصادِ﴾[88].
      وكــذا بالنّســبة لخطبتهــا فــي الشّام، فإنّهــا تشتمل علــى الكثيــر مــن الآيــات القرآنية أو محتواها، وهذا خير دليلٍ علــى أُنــس الســيّدة زينب(ع) بكتــاب الله ومحتوى وحيه الكريم.

زينب(ع) والدعاء
      وكمـا عاشـت مـع وحـي الإله، عاشـت مع مناجـات تدعـوه رغبـةً ورهبةً، وتبيت لـه بيـن اسـتغاثة وندبـة، لا فـرق بيـن غـداة وعشـي، فمعبودهـا هـو الإلـه العلـي، ومـا زالـت كلمـات أبيهـا أميـر المؤمنيـن(ع) تجـري فـي شـرايين إيمانهـا النقـي: (وَ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ وَ تَكَفَّلَ لَكَ بِالْإِجَابَةِ، وَ أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ وَ تَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ) [89]، فدأبت (ع) على مناجـاة المولـى ودعائـه؛ ورغـم شـحّة الأمـور الجزئيـة ممـا وصلنـا مـن حيـاة تلـك السـيّدة الفاضلـة، إلّا أنّ هنـاك بعـض الشـواهد التـي تشـير إلـى هـذه المنقبـة مـن مناقـب بنـت الزهـراء(ع) فـكان ممـا ورد فـي الخبـر:
قــول الســيدة فاطمــة بنــت الحســين(ع): (وأما عمتــي زينــب فإنهــا لــم تــزل قائمــة فــي تلــك الليلــة _أي العاشــرة مــن المحــرم_ فــي محرابهــا، تســتغيث إلى ربها، فمــا هــدأت لنــا عيــن ولا ســكنت لنــا رنــة)[90].
وكــذا مــا دعتــه(ع) فــي تلــك اللحظــات العصيبــة التــي وقفــت فيهــا على جثمــان أبــي عبــد الله روحــي لــه الفــداء وهــي تشــخص ببصرهــا إلــى الســماء وتدعو:«اللهـم تقبـل منـا هـذا القربان»، ومـا برحـت تدعـو بهـذا الدعـاء: (يَا عِمادَ مَنْ لَاعِمادَ لَهُ، وَيَا ذُخْرَ مَنْ لَاذُخْرَ لَهُ، وَيَا سَنَدَ مَنْ لَاسَنَدَ لَهُ، وَيَا حِرْزَ مَنْ لَاحِرْزَ لَهُ، وَيَا غِياثَ مَنْ لَاغِياثَ لَهُ، وَيَا كَنْزَ مَنْ لَاكَنْزَ لَهُ، وَيَا عِزَّ مَنْ لَاعِزَّ لَهُ، يَا كَرِيمَ الْعَفْوِ، يَا حَسَنَ التَّجاوُزِ، يَا عَوْنَ الضُّعَفاءِ، يَا كَنْزَ الْفُقَراءِ، يَا عَظِيمَ الرَّجاءِ، يَا مُنْقِذَ الْغَرْقىٰ، يَا مُنْجِىَ الْهَلْكىٰ، يَا مُحْسِنُ يَا مُجْمِلُ يَا مُنْعِمُ يَا مُفْضِلُ؛ أَنْتَ الَّذِى سَجَدَ لَكَ سَوادُ اللَّيْلِ وَنُورُ النَّهارِ، وَضَوْءُ الْقَمَرِ وَشُعاعُ الشَّمْسِ، وَحَفِيفُ الشَّجَرِ وَدَوِىُّ الْماءِ. يالله الذي لم يكن قبله قبل ولا بعده بعـد ولا نهايـة لـه ولا حـد ولا كـف ولا نـد وبحرمـة اسـمك الـذي فـي الآدمييـن معنــاه المرتــدي بالكبريــاء والنــور والعظمــة، محقــق الحقائــق، ومبطــل الشرك والبوائـق، وبالاسـم الـذي تـدوم بـه الحيـاة الدائمـة الأزليـة، التـي لا مـوت معهـا ولا فنـاء، وبالـروح المقدسـة الكريمـة، وبالسـمع الحاضـر والنظـر النافـذ، وتـاج الوقـار، وخاتـم النبـوة وتوثيـق العهـد، ودار الحيـوان، وقصور الجمـال، ويا الله لا شـريك له [91]. وكـذا مـا ورد عنهـا(ع) فـي خطبتهـا فـي الشـام أنهـا قالـت: (اَللّهُمَّ خُذ̉ لَناِبحَقِّنا وَ انتَقِم مِمَّن̉ ظَلَمَنا، وَاحلُل̉ غَضَبَکَ بِمَن̉ سَفَکَ دِماءَنا وَ قَتَلَ حُماتَنا) ودعائهـا أيضــا فــي آخــر الخطبـة: (نَسأَلُ اللهَ اَن̉ یُکمِلَ لَهُمُ الثَّوابَ، وَ یُوجِبُ لَهُمُ المَزیدَ، وَ یُحسِنُ عَلَینا الخِلافَةَ، إِنَّهُ رَحیمٌ)[92].

زينب(ع) والتسبيح
      لا شـك بمـن ترعرعـت فـي بيـوت تسـبح لله فـي العشـيّ والإبـكار أن تكـون مـن المسـبّحين المهلّليـن لـه سـبحانه تسـتغيث إلـى ربّهـا وتناجيـه وتأنـس بالوصـال بـه كـي تسـتمدّ منـه العـون علـى تحمـّل عبـأ الرسـالة التـي مـا برحـت تحملهـا طـوال فتـرة حياتهـا الشـّريفة خاصّـة رسـالة عاشـوراء العظيمـة التـي أوكلهـا إليهـا أبـو عبـدالله الحسـين(ع) فقـد ورد أن السـيدة كانـت تسـبح لله تعالـى دومـا ومـن تسـبيحها: (سُبْحانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّ وَالْوَقارَ، سُبْحانَ مَنْ تَعَطَّفَ بِالْمَجْدِ وَتَكَرَّمَ بِهِ، سُبْحانَ مَنْ لَايَنْبَغِى التَّسْبِيحُ إِلّا لَهُ، سُبْحانَ مَنْ أَحْصىٰ كُلَّ شَىْءٍ عِلْمُهُ، سُبْحانَ ذِى الْمَنِّ وَالنِّعَمِ، سُبْحانَ ذِى الْقُدْرَةِ وَالْكَرَمِ، اللّٰهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِمَعاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ، وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتابِكَ، وَاسْمِكَ الْأَعْظَمِ وَكَلِماتِكَ التَّامَّةِ الَّتِى تَمَّتْ صِدْقاً وَعَدْلاً، أن تصلي عَلىٰ مُحَمَّدٍ وآل محمد الطيبين الطاهرين، وأن تجمـع لـي خيـري الدنيـا والآخـرة، اللهـم أنـت الحــي القيــوم أنــت هديتنــي وأنــت تطعمنــي وتســقيني وأنــت تميتني وتحيينــي
فارحمنـي برحمتـك يا أرحم الراحمين)[93].

السيّدة زينب(ع) وشروط العبادة
      ذكرنـا فـي المحـور الأوّل مـن البحـث بـأن العبـادة لا تجـد للقبـول سـبيلاً إلّا أن تتوفـر علـى شـروط أهمهـا: الإيمـان بـالله تعالى، والـورع والتقوى، والولايـة لخلفـاء الله فـي أرضـه، وهـا نحـن نسـتنطق التاريـخ عـن شـخص مولاتنـا زينـب(ع) كـي نـرى كيـف كانـت شـروط العبادة عند سيدتنا الجليلة.

إيمان السيّدة زينب (ع)
      عندمــا نرجــع إلــى روايــات أهــل البيــت(ع) فــي تعريــف الإيمــان نجــد: (تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَقَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكانِ)[94] بمعنى أنّ الإيمـان لا يكفـي فيـه قـول الشـهادتين فحسـب، وإنّما يجـب أن ينفـذ إلـى القلـب ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾[95]، فبعـد نفـوذ الإيمـان إلـى القلـب سـوف يتجلـى علـى ظاهـر الإنسـان بـكل حركاتـه وسـكناته.
      مــن هــذا المنطلــق يمكننــا القــول بــأنّ القيــام بالأعمــال الشــاقّة_ لا ســيّما الحـركات الرسـاليّة التـي تكـون منعطفـاً فـي التّاريـخ البشـري_ تحتـاج إلـى إيمـان حقيقـي صـادق يمثّـل بـدوره الأرضيـة التـي ينطلـق منهـا الفـرد فـي حركتـه فيكـون هاديـاً لـه نحـو السـبيل الحـق كمـا فـي قولـه تعالـى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾[96]، بــل وحائـلاً دون الوقــوع فــي مغبّات طريــق ذات الشــوكة ذلــك الإيمــان الـذي يجعـل المتحصّن بـه صابـراً شـاكراً مهمـا كانـت المصائـب ومهمـا بلغـت التضحيات، وهـذا مـا أرشـدنا إليـه رسـولنا الكريـم(ص) بقولـه: (الإيمـان نصفـان: نصـف فـي الصبـر ونصـف فـي الشـكر)[97].
      أجــل، إنّ قــول رســول الله(ص) هــذا يرشــدنا إلــى الوقــوف علــى إيمــان الســيّدة زينـب(ع)، حيـث كانـت روحـي لهـا الفـداء فـي أتـم الصّبـر علـى المصائـب التـي مـرّت بالبيـت الطّاهـر والتـي كان أوجهـا فـي كربلاء المأسـاة والمظلوميـة؛ كما كانت علـى أتـم درجـات الشـكر لله تعالـى مـن حيـث أنّ الشـكر هـو الإسـتفادة الصحيحـة مـن المواهـب والنّعـم الإلهيـة فـي محلهـا[98]. والسـيّدة زينـب(ع) بصبرهـا وبشـكرها اسـتطاعت أن تكـون المصـداق الأمثـل للإيمـان الرّاسـخ الـذي يدفـع بصاحبـه إلـى النصـر دائمـاً.
إنّ خطبــة الســيدة زينــب(ع)  فــي الكوفــة والشــام كانــت خيــر دليــل علــى شــجاعتها وشــهامتها التــي مــا نشــأت إلا مــن منطلق الإيمــان الراســخ، حيث إنّ المؤمــن الحــق هــو الــذي يســتند إلــى قــوّة الإلــه الجبـّـارة فيكــون منتصــراً دائمــا لا يخــاف الهزيمــة حتــى ولــو كان أمــام طاغــوتٍ كيزيــد.

تقوى وورع زينب(ع)
      يمكننـا الانطلاق فـي إثبـات تقـوى وورع السـيّدة زينـب(ع) مـن قـول الإمـام زيـن العابديـن(ع) لهـا: (أنـت بحمـد الله عالمـة غيـر معلمـة، فهمـة غيـر مفهمـة)[99] بمعنـى أنّ علمهـا(ع) لـم يكـن من سـنخ العلوم الإكتسـابيّة التـي يمكن تحصيلها مـن الخـارج، و إنّمـا علمهـا مـن سـنخ العلـوم اللّدنيـة التـي يفيضهـا الله تعالـى علـى عبــاده المتّقيــن المخلصيــن الذيــن ارتقــوا درجــات الكمال، ووصلــوا إلــى مــدارج العصمة، فأصبحــوا أهلاً للفيــض الربّانــي وللنـّـور الــذي وعــد الله تعالــى بــه عبــاده حين قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ﴾[100]، وقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجعَل لَكُم فُرقانًا﴾[101]
وأيضاً قوله: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ وَ یُعَلِّمُکُمُ الله﴾[102]، إنّ هـذه الآيـات وغيرهـا تشـير إلـى أنّ هنـاك صلــة وثيقــة بيــن تقــوى الإنســان وبيــن هــذه الإفاضــات الربّانيــة؛ فالإنســان الــورع المتّقي ذو الفضائـل والكمـالات الخلقيـة، ترعـاه عنايـة البـاري جـل وعلا، وتفيض عليـه أنـوار الهدايـة، وينابيـع العلـم، فتجعلـه حينـاً بعـد حيـن يرقـى مـدارج العلـم والمعرفــة فيفــرق بذلــك النّــور بيــن الحــق والباطل، وهــذا النّــور والفرقــان هــو العلــم اللّدنـي كمـا ذكرنـاه آنفـا.
      أجـل، إن سـيّدة هـذا المقـال كانـت حقيقـة ومصداقـاً لأصحـاب الـورع والتّقـى الذين يصفهم أمير المؤمنين (ع) بأنهم: (هَجَمَ بِهِمُ العِلمُ على حَقيقَةِ البَصيرَةِ، و باشَرُوا رُوحَ اليَقينِ)[103]، ويقول أيضاً في الفرد المتّقي: (قَدْ أَحْيَا عَقْلَهُ وَ أَمَاتَ نَفْسَهُ حَتَّى دَقَّ جَلِيلُهُ وَ لَطُفَ غَلِيظُهُ وَ بَرَقَ لَهُ لاَمِعٌ كَثِيرُ اَلْبَرْقِ فَأَبَانَ لَهُ اَلطَّرِيقَ وَ سَلَكَ بِهِ اَلسَّبِيلَ)[104].

      إذن كانــت الســيّدة زينــب(ع) علــى أتــم التّقــوى والــورع ولذلـك نالـت وسـام العلـم اللّدنـي الـذي شـهده المعصـوم لهـا (عالمـة غيـر معلمـة) لأنّ هـذا النـوع مـن العلـم يحتـاج إلـى أرضيـّة ومؤهلات لنمـوّه وازدهـاره فكمـا أنّ البــذور لا تنمــو فــي الأراضــي الخصبــة، كذلــك بــذور هكــذا علــم لا تنمــو إلا فــي القلـوب الصالحـة والمؤهلـة، ولا تتفتـح أزهارهـا إلّا فـي الأرواح الطاهـرة.

ولاية زينب(ع)
      وولايــة زينــب(ع) كانــت واضحــة للعيــان مــع كل إمــام عاصرتــه مــن أئمــة أهــل البيــت(ع)، وخاصّــة مــع الإمام الحســين(ع) حيــث شــاطرته فــي ثورته المباركـة وحملـت رسـالته مـن بعـد استشـهاده، ثم تولّـت مـن بعـده ابنـه الإمـام زيـن العابدين(ع)،وكانـت الحاميـة المدافعـة عـن وجـوده(ع) لأنهـا تعلـم أن الأرض لا تخلـو مـن حجـة فيجـب الحفـاظ علـى تلـك الحجة، ولـذا كانـت ترعـى الإمـام أيـّام مرضــه فــي كربلاء، وتحــول دون بــروزه للقتال، وتمنــع وصــول النــار إليه، وتــذود عنــه بنفسـها حيـن هـمّ ابـن زيـاد علـى قتله، فتتعلـق بـه وتصـرخ بوجـه اللئيـم قائلـة: (يـا ابـن زيـاد حسـبك مـن دمائنـا.. والله لا أفارقـه فـإن قتلتـه فاقتلنـي معـه)[105].

      فعندمـا نـرى قـول الصّـادق(ع) بـأنّ (العبـادة حسـن النيّة بالطّاعـة من الوجوه التـي يُطـاع الله منهـا) نـدرك حينهـا مـا معنـى عبـادة زينب(ع)، ونـدرك مـا هـو السّـر الـذي ارتقـت بـه زينب(ع)، فولايـة أهـل البيـت(ع) ليسـت بالشـيء اليسـير عنـد الله تعالى، حيـث قرنهـا بولايته، وجعلهـا حصنـه الحصينـة التـي يأمـن مـن دخلهـا مـن العـذاب.

السيدة زينب(ع) ودرجات العبادة

1. عبادتها شكرا

      كانــت ســيّدتنا زينــب(ع) مصداقــاً للآيــة الكريمــة: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾[106]. جسّدت أنــواع الشــكر لفظــاً وعملاً، جارحيــاً وجانحياً، لتكــون هي القائـدة التـي ترسـم خُطـى العبـادة الحقيقيـة وتنتـج الفكـر الإسلامي الأصيـل الـذي قـام لأجلـه سـيّد الشـهداء(ع)، ولذا كان شـكرها فاتحاً للعقـول علـى نهضـة الإصلاح وموجّهــاً للشّــعور نحــو مظلوميّــة آل الرســول(ص).

      أجــل إن انطلاقــة الســيدة زينــب(ع) في آفــاق الشــكر والحمــد والثنــاء دليـل علـى تفاعلهـا مـع العقيـدة التـي تقـول بـأن الله خيـر ولا يصـدر مـن الخيـر إلا الخير، وكأنهــا(ع)  كانــت تعيــش بروحهــا وقلبهــا حالــة الامتنــان وعرفــان الجميــل لــكل مــا يفيضــه البــارئ تعالى، وقــد ترجمــت هــذا الشــعور بقولهــا (مــا رأيــت إلا جميلاً)[107].
      والجديــر بالذكــر أنّ المصائــب والبلايــا لأهــل الإيمــان إنّمــا هــي خيــرات فــي باطنهـا خاصـة لأوليـاء الله، لأنّهـا تكـون بمثابـة الأرضيـّة التـي ينطلقـون منهـا نحـو المراتــب الراقية، ولــذا ورد فــي الكتــاب الكريــم بــأنّ إبراهيــم(ع) لــم يحصــل علــى مرتبــة الإمامــة ورقيّهــا إلا بعــد الابتلاءات التــي اجتازهــا بــكل صبــر وتجلّد، ويقول تعالــى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾[108]، أي لـم يحصـل خليـل الله علـى وسـام الإمامـة إلا بعـد الابتلاء و إتمـام الكلمـات التـي هــي عبــارة عــن اختبــارات متتالية[109]. ورد عــن أميــر المؤمنيــن(ع):( إِنَّ الْبَلَاءَ لِلظَّالِمِ أَدَبٌ وَ لِلْمُؤْمِنِ امْتِحَانٌ وَ لِلْأَنْبِیَاءِ دَرَجَةٌ وَ لِلْأَوْلِیَاءِ کَرَامَة). وكانـت بنـت إمـام المتّقيـن تستشـعر هـذا الخيـر وهـذه الكرامة وتجد نفسـها ملزمة بالشـكر أمام المنعم العظيم، ولـذا كانـت (روحـي لهـا الفـداء) شـاكرة لله بـكل جوارحهـا وجوانحها، وقـد ترجـم لسـانها مـا كان يضمـره الفـؤاد مـن ذلـك الإعتقـاد العظيـم فـراح ينطـق بالحمد والثنـاء علـى المولـى تعالـى فـي بـادئ كل خطبـة مـن خطبهـا المباركـة: «الحمـد لله ربّ العالمين»، وتختتــم كلامهــا بذلــك أيضــاً: (فالحمــد لله الــذي ختــم لأوّلنــا بالسـعادة ولآخرنـا بالشّـهادة والرّحمـة، ونسـأل الله أن يكمـل لهـم الثـواب، ويوجب لهـم المزيـد، ويحسـن علينـا الخلافـة)[110].
      إنّ حمـد وثنـاء السـيّدة زينـب(ع) فـي بـادئ خطبهـا المباركـة وفـي ختامهـا مــا كان إلّا دليــل علــى حالــة الشّــكر التــي كانــت تعيشــها تلــك الســيّدة رغــم كل المصائـب التـي لـم يشـهد التاريـخ مثيلاً لهـا، إذ أنّ الحمـدلله تعالـى يعنـي تقديـم الشّـكر له، وقـد ورد عـن صـادق العتـرة(ع):(ما أنعَمَ اللّه ُ على عَبدٍ بنِعمَةٍ صَغُرَت أو كَبُرَت فقالَ : الحمدُ للّه، إلاّ أدّى شُكرَها)[111].

2. عبادتها حباً

      مــن الواضــح أنّ المحبة والشــوق بالنســبة لشــيء كلمــا تأجّجــت واشــتدّت كانـت اللّـذة الحاصلـة مـن تحقيـق ذلـك الشـيء والوصـول إليـه أكبـر وأشـد، ومن جهــة أخــرى نجــد أنّ كمــال اللّــذة يرتبــط بمســتوى المطلوبيّة والقيمــة الوجوديـّـة للمحبــوب، إذن فلــو أنّ شــخصاً امتلــك أشــد أنــواع الحــب بالنســبة لأعظــم الموجـودات امتلك أشدّ أنواع الحب بالنسبة لأعظم الموجودات أكبرها قيمة وأدرك هذه القيمة الوجوديّة بدقّه فإنّه بالوصول إلى محبوبه هذا يكون قد حاز أروع اللـذّات؛ فـإذا افترضنـا أنّ هذا الوصـول غير محدود بالظّـروف المكانيّة والزمانيّة بـل كان وصـولاً دائماً وفـي أي مكان، فـإن هذه الحاجة الفطرية سـوف تكـون قد أشـبعت بشـكل تـام ولم يبق في إشـباعها أي قصـور. وعلى هـذا، فـإنّ هـذا الميـل الفطـري اللانهائـي يتجـه نحـو حـب متأجج لمحبـوب كامـل جميـل، كمـالاً وجمـالاً مطلقـاً لـه أشـد الروابـط الوجوديـّة بالإنسـان بحيـث يمكـن للإنسـان أن يـرى وجـوده قائمـاً بـه وفانيـاً فيـه ومتعلقـاً تمـام التعلـق بـه.
      إنّ الســيّدة زينب(ع) كانــت تعيــش حالــة الحــب هــذه مــع الله تعالى، لــم تمنعهـا الظـروف المكانيـة والزمانيـة عـن الارتبـاط بـه سـبحانه لـذا يحدّثنـا التاريـخ بأنّهـا لـم ينقطـع تهجدهـا ونافلتهـا الليليـة حتـى فـي أيـام الأسـر[112]، وأنهـا لـم تتـرك عبادتهـا وتهجدهـا فـي الليـل حتـى ليلـة الحـادي عشـر مـن المحـرم [113]، وهـذا دليـل علــى أُنــس الســيّدة زينــب(ع)  بالارتبــاط بالمعشــوق الأزلي.

عبادتها معرفة

      عندمــا نذكــر درجــات العبــادة عنــد الســيّدة زينب مــن الشــكر والحــب لا بمعنــى أنّهــا اقتصــرت علــى هــذه الدرجــة فحســب، بل المقصــود أنّ الســيدة زينـب كانـت عندهـا تلـك الدرجـات إضافة إلـى الدّرجة العليـا ألا وهي عبادة الله معرفــة بأهليّتــه للعبادة، فالمســألة كمــا يبينهــا الشــاعر: (المائــة عندمــا تذكــر، تتضمـن التّسـعين)[114]. نعـم إنّ السـيّدة زينـب كانـت عابـدة لله تعالـى عبـادة الأوليــاء والصّالحين، تلــك العبــادة التــي لا يــرى فيهــا الإنســان لنفســه ولا للكــون وجـوداً سـوى كونـه آيـة مـن آيـات البـارئ المتعـال؛ تلـك العبـادة التـي تنطلـق مـن اليقيـن المحـض بالـذات الإلهيـة المقدّسـة وصفاتهـا الحقّـة من الجمـال والجلال؛ وهـي الدّرجـة التـي يشـير إليهـا أميـر المؤمنيـن(ع) :(لَو كُشفَ ليَ الغِطاءُ مَا ازددتُ يَقيناً)[115].

      إنّ مـن يعبـد الله تعالـى بهـذه العبـادة سـوف يعيـش التّوحيـد بعينـه والعـدل بعينـه وكل تعاليـم السـماء وهـذا مـا وجدنـاه فـي سـيدتنا زينب، فلـم تكـن تـرى فـي الوجـود شـيئاً سـوى الله تعالى، ذلـك الخيـر المطلـق الـذي مـلأ الوجـود بخيـره وفضلــه لــذا تنطلــق بالقــول:«مــا رأيــت إلا جميـلاً»، وحقــاً كانــت تــرى كل شــيء جميـل مـا دام كان صـادراً مـن الجمـال المطلـق فلـم تبـالِ بشـهادة أبنائهـا ولا فقـد أخوتهــا وأبنــاء عمومتهــا بــل وحتــى فقــد أخيهــا الحســين، نعم كانــت تبكــي لفقـده لأنّه «وجـه الله الـذي إليـه يتوجّـه الأوليـاء»[116]، و إلّا فـكل شـيء كان جميلاً ما دام أنّ يـد العـرش قـد نقشـته بريشـتها التـي لا تعـرف إلا الجمـال.

      هذه الدرجة من العبادة هي التي دفعت السيدة زينب لأجل أن ترفع راية عاشوراء بعد سيد الشهداءٍ، وتتحمّل أعباء ثورة عظيمة تكون بدورها منعطفاً في تاريخ المذهب الشيعي لما لها من أثر عظيم في تغيير مصير الأمة الإسامية.

      إنّ هــذه العبــادة هــي التــي حقّقــت عنــد زينــب مقــام الرضــا فراحــت ترى كل شــيء جميل، وهــي التــي حقّقــت عندهــا مقــام الاطمئنــان فأصبحــت تبــث السّــكون بيــن قافلــة ســبايا الحســين، وتنطق برباطــة جــأش أمــام العــدو دون قلــق واضطــراب. نعم، هــذه الدرجــة مــن العبــادة خلقــت عنــد الحــوراء(ع) تــوكّلاً علــى الله تعالــى تســتند إليــه رغــم كل الصــور المأســاوية التــي كانــت تراهــا، لــذا تنطلــق بالقــول: (ألا فالعجب كل العجــب لقتــل حزب الله النجبــاء بحــزب الشــيطان الطلقــاء، فهــذه الأيــدي تنطــف مــن دمائنــا، والأفــواه تتحلّب من لحومنـا، وتلـك الجثث الطواهر الزواكي تنتابهـا العواسل، وتهفوهـا أمهات الفراعل. ولئن اتخَذتنا مغنماً، لتجدنا وشــيكا َمغرمـاً، حيــن لا تجــد إلّا ما قدّمتَ وما ربُّك بظَلّامٍ للعبيــد، فإلــى الله المشــتكى وعليــه المعــول)[117]، إلـى غيـر ذلـك مـن الأمـور التـي تخلقهـا هـذه الدرجـة من العبـادة في نفس الإنسـان وتوصلـه إلـى درجـة تجعـل الإمـام المعصـوم يوصيهـا: «يا أختـاه لا تنسـيني في نافلة الليـل»[118]. فسلام علـى عابـدة آل علي، يـوم ولـدت ويـوم أنسـت بالعبـادة ويـوم التحقـت بمعشـوقها الأزلـي، ويـوم تبعـث شـافعة لمـن سـار علـى درب الحـق والحقيقـة.

 

[1] سورة الذاريات، الآية 56.

[2] انظر: الراغب الاصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص319.

[3] انظر: صادقي، كلام جديد، ص182.

[4] محمد باقر الصدر، نظرة عامة في العبادات، ص34-33.

[5] ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول، ص201.

[6] سورة الزمر الآية 10.

[7] الطبرسي، مستدرك الوسائل، ج13، ص48. والمجلسي، بحار الأنوار، ج101،ص 132.

[8] فقد ورد عن الرسول الكريم(ص): (أما العفاف، فيتشعب منه الرضا والاستكانة والحظ والراحة والتفقد والخشوع والتذكر والتفكر والجود والسخاء) الحراني، تحف العقول، ص17.

[9] المجلسي، بحار الأنوار، ج87، ص339.

[10] الكليني، الكافي، ج2، ص79. (الحديث عن أمير المؤمنين"ع")

[11] الكليني، الكافي، ج2، ص132.

[12] الريشهري، ميزان الحكمة، ج3، ص2125. (نقلاً عن كتاب الترهيب).

[13] سورة المعارج، الآية 19-23.

[14] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص16.

[15] عن حريز عن الفضيل قال سألت أبا جعفر عن قول الله عز وجل: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) قال: هي الفريضة قلت: (الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) قال هي النافلة. الكافي، الكليني، ج3، ص270.

[16] سورة غافر الآية60.

[17] سورة الأعراف، آية55.

[18] سورة الأحزاب، الآية 41-42.

[19] المولى المازندراني، شرح أصول الكافي، ج8، ص254.

[20] انظر: مكارم الشيرازي، الأمثل في كتاب الله المنزل، ج13، ص215.

[21] انظر: محمد باقر الصدر، نظرة عامة في العبادات، ص94.

[22] سورة غافر، الآية 60.

[23] سورة الأعراف، الآية55.

[24] سورة الفرقان، الآية70.

[25] انظر: الطباطيبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج15، ص245. وانظر: مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج11، ص326.

[26] الفيض الكاشاني، الوافي، ج9، ص1469.

[27] سورة ابراهيم، الآية 40.

[28] انظر: الكليني، الكافي، ج2، ص 466.

[29] سورة الإسراء، الآية 44.

[30] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج13، ص158.

[31] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج20، ص377.

[32] انظر: مكارم الشيرازي، الأمثل في كتاب الله المنزل، ج8، ص119.

[33] المتقي الهندي، كنز العمال، ج3، ص697.

[34] سورة المائدة، الآية 5.

[35] سورة المائدة، الآية5.

[36] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج5، ص206.

[37] سورة الأنبياء، الآية 94.

[38] سورة الكهف، الآية 103-105.

[39] انظر: الراغب الاصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص531.

[40] سورة الحجرات، الآية 13.

[41] سورة المائدة، الآية 27.

[42] الفيض الكاشاني، الوافي، ج26، ص196.

[43] انظر: مكارم الشيرازي، دروس في الحياة، ص89.

[44] الكليني، الكافي، ج2، ص18.

[45] الطوسي، الأمالي، ص306.

[46] الفيض الكاشاني، الوافي، ج4، ص90.

[47] الشيخ المفيد، الأمالي، ص 140.

[48] المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص186.

[49] سورة الأعراف، الآية 56.

[50] سورة السجدة، الآية 16.

[51] سورة الإسراء، الآية 57.

[52] انظر: مصباح اليزدي، بيان در علوم ومسائل كلي قرآن، ص626.

[53] سورة ص، الآية 82.

[54] انظر: جمع من الكتاب شرح المصطلحات الكلامية، ص 208.

[55] سورة لقمان، الآية20.

[56] سورة سبأ، الآية 13.

[57] انظر: مجمع البيان في تفسير القرآن، ج8، ص:600. و:الميزان في تفسير القرآن، ج16، ص:364.

[58] الإمام علي، نهج البلاغة، ص510. (تحقيق صبحي صالح).

[59] المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص52. و: مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق(ع) ص24.

[60] سورة البقرة، الآية 265.

[61] الفيض الكاشاني، الوافي، ج7، ص249.

[62] الكليني، الكافي، ج2، ص83.

[63] المجلسي، بحار الأنوار، ج67، ص186.

[64] الفيض الكاشاني، الوافي، ج26، ص146.

[65] نور الدين الجزائري، الخصائص الزينبية، ص53.

[66] الطوسي، مصباح المتهجّد، ص721.

[67] المصدر السابق.

[68] سورة النور، الآية 36.

[69] سورة النجم، الآية 3.

[70] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج7، ص113.

[71] انظر: الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص115.

[72] الطبرسي، الاحتجاج، ج2، ص15.

[73] النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، ج4، ص313.

[74] الزيارة المفجعة للسيدة زينب (ع).

[75] الزيارة المفجعة للسيدة زينب (ع).

[76] من علماء البحرين، وفيات الأئمة، ص441.

[77] انظر: ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج3، ص121.

[78] "يذكر أنه كانت للسيّدة زينب(ع) حلقات درسية في تفسير القرآن في الكوفة أيام خلافة والدها أمير المؤمنين(ع)". الجزائري، الخصائص الزينبية، ص68.

[79] سورة النحل، الآية 92.

[80] كلام مستوحى من الآية الكريمة: (لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ) سورة المائدة الآية80.

[81] كلام مستوحى من قوله تعالى: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) سورة التوبة، الآية 82.

[82] كلام مستوحى من الآية الكريمة: (أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) سورة النحل، الآية 25.

[83] كلام مستوحى من قوله تعالى: (وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) سورة هود، الآية44. وقوله: (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعير) سورة الملك، الآية11.

[84] كلام مستوحى من قوله تعالى: (وَباءوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَت عَلَيهِمُ المَسكَنَةُ) سورة آل عمران، الآية 112.

[85] سورة مريم، الآية 89-90.

[86] سورة فصلت، الآية 16.

[87] كلام مستوحى من قوله تعالى: (ثُمَّ لا تُنصَرونَ) سورة الزمر، الآية 54.

[88] سورة الفجر، الآية 14.

[89] الإمام علي (ع)، نهج البلاغة.

[90] وفيات الأئمة، من علماء البحرين والقطيف، ص441.

[91] النقدي، زينب الكبرى، ص61.

[92] المجلسي، بحار الأنوار، ج90، ص300.

[93] الكرباسي، دائرة المعارف الحسينية، معجم أنصار الحسين (النساء)، ج1، ص356.

[94] الشيخ الطوسي، الأمالي، ص284.

[95] سورة الحجرات، الآية 14.

[96] سورة الكهف، الآية 13.

[97] الحراني، تحف العقول عن آل الرسول (ص)، ص 48.

[98] مكارم الشيرازي، الأخلاق في القرآن، ج2، ص423.

[99] الطبرسي، الاحتجاج، ج2، ص31.

[100] سورة الحديد، الآية 28.

[101] سورة الأنفال، الآية 29.

[102] سورة البقرة، الآية 282.

[103] الإمام علي (ع)، نهج البلاغة، ص 497. (تحقيق صبحي صالح).

[104] الإمام علي (ع)، نهج البلاغة، ص 337. (تحقيق صبحي صالح).

[105] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص117.

[106] سورة سبأ، الآية 13.

[107] ابن نما الحلي، مثير الأحزان، ص71.

[108] سورة البقرة، الآية 124.

[109] مكارم الشيرازي، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج1، ص: 367.

[110] ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف، ص108.

[111] الكليني، الكافي، ج2، ص96.

[112] المطهري، تفسير سورة مزمل، ص73.

[113] انظر: وفيات الأئمة، ص 441: (روي عن زين العابدين"ع" أنه قال: رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس)

[114] الشعر لجلال الدين الرومي: (چون که صد آمد نود هم پیش ماست)

[115] العلامة الحلي، منتهى المطلب، ج3، ص44.

[116] ابن طاووس، اقبال الأعمال، ج1، ص509.

[117] ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف ص107.

[118] عبدالله آل درويش، المجالس العاشوريّة في المآتم الحسينية، ص462. (نقلاً عن الفاضل النائيني البيرجندي)

التعليقات