مقالة

صورة السيّدة زينب(ع) في الشّعر الفارسي المعاصر

صورة السيّدة زينب(ع) في الشّعر الفارسي المعاصر

21 Nov |2025

قــد تربعــت القضيــة الحســينية علــى عــرش القضايــا التاريخيــة والعقائديــة والإصلاحيـة تاريخيـاً، سـواء كان فـي مياديـن البحـث السياسـي أو بحـوث التاريـخ والحركــة والتاريخ وفلســفة التاريــخ، إلّا أن الميــدان الــذي غزتــه بشــكل كامــل وحسّـاس ومؤثّر هو المجال الأدبي وخاصّة الشـعر، سـواء كان الشـعر القديم أو الشـعر المعاصـر عربيـّاً كان أم فارسـيّاً، إذ كانـت القضيـة الحسـينية تسـري فـي الشـعر عبـر الأجيـال، لأنهـا ارتبطـت بشـخصيات هـي الأسـمى والأكمـل فـي المشـروع القرآنـي وهـم بيـت النبـوة والرسـالة والإصلاح، وأيضـا لطبيعـة الأحـداث والوقائـع التـي جـرت بشـكل مؤثـر وحزيـن رغـم مـا طبعـت مـن شـموخ وإبـاء وشـجاعة فـي ذاكـرة التاريـخ مـن قبـل روادهـا وخاصّـة السـيّدة زينـب(ع). تناقــل الشــعر الفارســي أهميـّـة القضيّــة الحســينيّة وتأثيرهــا عبــر القــرون والأجيــال، وتأثــر بهــا مضمونــا ومحتــوى، كان للســيّدة زينــب(ع) حضــوراً واســعاً فـي الشـعر الفارسـي المعاصـر، إذ هـي وجـه الواقعـة الـذي عكـس الصّبـر والشـموخ والعزيمـة والولائيّة والتضحيـة بـكل مـا تملـك فـي سـبيل هـذه الولايـة رغـم الحـزن والوجـع والمصيبـة فأصبحـت بذلـك منبـع إلهـام للشـعراء المعاصريـن، لا تغيـب عـن الشـعر الملتـزم والإصلاحـي، الـذي يتصـدى للحـركات الإصلاحيـة ويدعمهـا لأجــل غــرس المبــادي والقيــم الرســالية.

مقدمة

        ما زالـت حادثـة الطّـف ونهضـة الإمـام الحسـين(ع) مصـدر إلهـام لكثيـر مـن الأدبــاء والشــعراء فــي العالــم. والشّــعر الفارســي بما فيــه مــن مواصفــات فنيـّـة ولغــة مؤثّـرة وموسـيقى، لـم يكـن خاليـاً مـن المضاميـن العاليـة والقيـم الإسلاميّة علـى مـر العصور. حيـث أنّ الإمـام الحسـين(ع) والرّمـوز العاشـورائية تتجلّى فيه، لاسيّما بعد انتصـار الثـورة الإسلامية، إذ ترعـرع خلال هـذه الفتـرة جيـل مـن الشـعراء الملتزميـن الذيـن تألّقـوا فـي سـماء الشّـعر الإيرانـى وعُرفـوا بأشـعارهم الفـذّة التـي تثيـر القلـوب
وتقـع فـي النفـوس.
        وكان للســيّد القائــد آيــة الله الخامنئــي( دام ظلــه) دور فعّــال فــي انتشــار أشـعارهم، حيث كان ولايزال يقيم مجالس لإنشـاد الشـعر، فيحضر فيها ويبدي رأيه تشـجيعاً لهـم، وكأن هـذه المجالـس منتـدی للنّقد والتنقيـح وعـرض الشـعر القيمي المؤيّد مـن جانـب سـماحته.
        لاشـكّ أنّ واقعـة عاشـوراء مـن أهـم الأحـداث التاريخيّـة التـي أدّت إلـى تطـوّر الشـعر الفارسـي والعربـي مـن حيـث المضمـون والفكرة. رغـم هـذا، إلّا أنّ الإهتمـام بهـذه الواقعـة علـى مر العصـور لـم تكـن علـى نسـق واحـد، ذلـك أنّ سياسـة الحـكّام والظــروف السياســيّة الســائدة فــي كل عصــر كانــت تـــؤثر فــي رؤيــة الشــعراء ومــدی إقبالهـم عليهـا.
        تعــد الحــوراء زينب(ع) رمــزاً للصّمــود والنّضــال والدّفــاع عــن نهضــة الإمــام الحسـين(ع)  فـي الشّـعر الفارسـي المعاصـر. ويسـتهدف هـذا البحـث إلقـاء الضـوء علــى الصّــورة التــي رســمها الشــعر الفارســي عــن الســيّدة زينــب(ع) علــى أســاس مـا نظمـه عـدد مـن الشـعراء المشـهورين فـي الوقـت الرّاهـن، منهـم: علـي رضـا قـزوه وحميدرضا برقعي.
        ركّــز الشّعر العاشــورائي المعاصــر فــي إيــران علــى دراســة الشــخصيّات التــي كان لهـا حضـورا مميزاً فـي واقعـة الطـف، فكانـت عقيلـة بني هاشـم بشـخصيتها الفـذّة والخالـدة مـن أبـرز المضاميـن التـي تطـرّق إليهـا الشـعراء الملتزمـون، ومـن أهم الصّفـات فـي شـخصيّة السـيّدة زينب(ع) التـي تناولهـا الشـعراء فـي دواوينهـم هي:

الصّبر والصمود

        تمثّلـت شـخصيّة السـيّدة زينـب(ع) فـي الشّـعر الفارسـي المعاصـر بصبرهـا وصمودها تجاه الأعداء وحملها لواء ثورة الحسـين(ع) بعد عاشوراء، والشـاعر الإيراني المعاصر يلمـّـح إلــى هــذا الجانــب مــن شــخصيّتها، إذ هــي حافظــت علــى النّهضة الحسـينيّة بإتّخاذهـا موقفـاً حاسـماً فـي الدّفاع عنهـا وتوضيح أهدافهـا. يقول الشـاعر قـادر طهماسـبي المعـروف بفريـد فـي مقطـع شـعري رائـع:


سرنى در نينوا مى ماند اگر زينب نبود
كربلا در كربلا مى مانـد اگر زينب نبود
چهره سرخ حقيقت بعد از آن توفان رنگ
پشت ابری از ريا مى ماند اگر زينب نبود
چشـمه فر يـاد مظلوميـت لب تشـنگان
در كوير تفته جا مى ماند ا گر ز ينب نبود
زخمه زخمىترين فرياد، در چنگ سكوت
از طـراز نغمـه وا مى مانـد ا گر ز ينب نبود
در طلوع داغ اصغر، استخوان اشک سرخ
در گلوی چشم ها مى ماند اگر زينب نبود
ذوالجناح دادخواهى، بىسوار وبىلگام
در بيابان ها رها مى ماند اگر زينب نبود


لولا زينب (ع) لكانت أسرار الناي تخفى في نينوى
ولولاها لكانت تنسى كربلاء في كربلاء (دون أن يصل صوتها الى العالم)
لو لم تكن زينب لظلّت صورة الواقع الدامي مختفية وراء غيوم الغدر والنفاق بعد ثورة عارمة
لولا زينب لظلّت عيون صراخ الظلامة للعطاشى منسيّة في صحراء الظمأ
وكان شجى دمع الرّضيع الدامي باقياً في حلق عيوننا بعد مطلع مأتمه الأليم
ولكان ذوالجناح الثأر مهجوراً في الصحراء القاحلة بلا فارس ولا لجام
ولـولا زينـب لـكان سـيل الثـورة العـارم مختفيـاً وراء جبـل الفتنـة والتآمـر عنـد مرورهـا مـن مسـار التاريـخ.[1]


        فكمــا نلاحــظ أنّ زينــب(ع) هــى المحــور الأساســي، والشّــاعر طهماســبي لا يشـير إلـى المصائـب الّتـي تحمّلتهـا وانحنـاء قامتهـا، وإنّمـا هـي فـي شـعره بطلـة تحافـظ علـى دعائـم النّهضـة وتحـاول إيصـال رسـالتها إلـى الأجيـال القادمـةممّــا يجــدر أن نشــير إليــه هاهنــا، أنّ الشّــعر الفارســي قبــل الثــورة كان يصــوّر الجانـب الحزيـن مـن صـورة الحـوراء زينـب(ع) فـي حيـن أنّنـا نجـد إقبـال الشّـعراء علــى الجانــب الثــوري والنضالــي لهــا بعــد انتصــار الثــورة الإسـلامية فــي إيــرانمــن مظاهــر الصّبــر والصّمــود للعقيلــة بعــد واقعــة الطّــف مــا يرســمها الشــاعر الإيرانــي المعاصــر حميــد رضــا برقعــي فــي مقطــع شــعری علــى لســان الســيّدة زينــب(ع)  تخاطــب أخاهــا عندمــا يقــول:


(بخــوان آهســته از ايــن جــا بــه بعــد ماجــرا بــا مــن خيالــت جمــع ای دريــای
غيـرت خيمـه هـا بـا مـن تمـام راه بـر پـا داشـتم بـزم عـزا در خود.ولـى از پـا نيفتـادم، شكســتم بــى صــدا در خــود شكســتم بــى صــدا در خــود كــه بايــد بــى تــو برگــردم قدم خم شد وليكن خم به ابرويم نياوردم ...) 


اقرأ مهلاً فلا تقلق فإن الأمر بعدك يا أخي يبقى على عاتقي
لا تقلق أيا بحر الغيرة والحماسة
إنّي سأحمي الخيام بعدك يا أخي
أقمت العزاء في نفسي أثناء الطريق
ولكنّي هيهات أن أذل وأخذل
تحطّمت في نفسي صامتةوأنا اعرف اننى سارجع با أخي
انحنى ظهري ولكني صبرت وثابرت [2]

        أنّ الشــاعر برقعــى يقيــم حــواراً ذاتيّاً لزينــب(ع) فــي شــعره تخاطــب أخاهــا الحسـين(ع) وتطمئنه أنّهـا تقـاوم وتصير مـلاذاً للبقيـّة مـن أهـل بيـت النبـوة أمـام الطاغيــة.
وشـاعر إيرانـي معاصـر آخـر هو محمـد رضـا ياسـري [3] يلمّـح إلـى دور زينـب(ع) الرّسـالي بعـد استشـهاد الإمـام(ع) قائلاً:

گر حسين ازپى دين جان بخشيد

          زينب آن را سرو سامان بخشيد

 

و إذا الحسين(ع) ضحى بنفسه واستشهد لإحياءالدين
فزينب جمع شمل الدين وحافظت على قيمه


        يؤكّـد الشّـاعر ياسـري إلـى مـا قامـت بـه أخـت الحسـين(ع) بعـده فـي حمـل أعبـاء النّهضـة والمحافظـة علـى قيمهـا السـاميةوقــد يتجلّــى صبــر الســيّدة زينــب(ع) فــي شــعرهم حيــث تتجسّــد كأعظــم إنســان عــرف بهــذه الصفــة. يقــول نصــرالله مردانــى [4]:

زينب ای پاک تر از چشمه نور

                كس نيايد به جهان چون تو صبور

 

أيـا زينـب يـا أطهـر مـن ينبـوع النـور لـم يلـد الدهـر مثلـك صابـرة. [5]


        وقـد يتجلّـى صمـود السـيّدة زينـب(ع) فـي مـدی احتمـال الصّعـاب وشـدّة اللّهفــة بعــد فقــد فلــذات كبدهــا فــي شــعر أحــد الشــعراء. وهو عبــاس براتــى پــور[6] يقـول:
هر چند قدش خميده اما برپاست
رنـگ از رخ او پريده امـا بر پاسـت
اين سرو كه در ميان خون مى بينيد
هفتاد ودو داغ ديده اما برپاسـت

 

إنهـا صامـدة رغـم انحنـاء قامتها
هى ناهضة رغم كثرة معاناتها وعدم سكونها
إنها صامدة كالشجرة الباسقة التي تضرجت بالدماء بحثاً عن شهدائها.
لأنها قدمت إثنين وسبعين شهيداً [7]


ويقول برقعي:

«گفتـم از كـوه بگويـم قدمـم مـى لـرزد
از تـو دم مـى زنـم امـا قلمـم مـى لـرزد
هيبت نام تو يک عمر تكانم داده ست
رسم مردانگى ات راه نشانم داده ست
پـى نبرديـم بـه يكتايـى نامـت زينب

كار ما نيسـت شناسـايى نامت زينب
.......
من در اعماق خيالم... چه بگويم از تو
مـن در ايـن مرحلـه لالم چه بگويم از تو
چه بگويم؟! به خدا از تو سرودن سخت است
هم على بودن وهم فاطمه بودن سخت است
......
رو بـروی تـو كـه قرآن خدا وا مى شـد
لب آيات به تفسـير شـما وا مى شـد»


أريد أن اتكلم عن جبل الصّبر ولكن قدمي ترتجف
يريد قلمي أن يتغنّى بكِ لكنه يرتجف.
تزحزحني عظمة إسمك طول عمري
تعلمني طريقة البطولة والفتوة.
لم ندرك أنك تتفردين باسمك في العالم
لا يعتاد أن نتعرف على رمز اسمك يا زينب
أنا أخرس لا أتمكن من الحديث عنك
لأن نظم الشعر فيك عمل صعب عظيم
بأن تكوني عليّاً وفاطمة في نفس الوقت لأمر غريب
ماذا أقول إذ أنّ الله هو السارد لقصّتك
عندما يفتح القرآن بين يديك
تبدأ الآيات بتفسيرك يا زينب

 

ثنائية الأم والبنت

        لعــلّ مــن أروع الصـّـور التــي نجدهــا فــي الشّــعر الفارســي المعاصــر هــي صــورة معانـاة بضعـة المصطفـى فاطمـة الزهراء(ع) التـي اندمجـت فـي مصائـب إبنتهـا الحــوراء زينــب(ع). إذ حــاول الشــعراء تصويرهــا فــي تجاربهــم الشــعرية.
        زينب(ع) هـي التـي صـارت تماثـل أمهـا فاطمـة مـن كثـرة مـا ورثـت خصالهـا وشــيمها منهــا[8]، والشّــاعر حميــد رضــا برقعــى يمــزج بيــن مــا تحمّلته الزّهــراء ومــا جـری لزينـب(ع) فـي صـورة شـعريّة كأنّ الأيـّام تتجـدد بتكـرار همومهـاوهنـاك شـاعر شـاب آخـر يسـمّى فاضـل نظـري يقـوم برسـم الواقعـة بشـكل دقيق فـي مقطـع شـعری رائـع ولمـا يصـل الـى دور زينب(ع) يتذكّـر انحنـاء قامـة قـرّة عيـن الرّسـول(ص) وتألمها مـن ضلعهـا مشـيراً إلـى تقـوّس قامـة ابنتهـا:

 

«نشسته است كنارش كسى كه مى گريد

                      كسى كه دست گرفته به روی پهلويش»

 

جلست على جثمان الحسين من تبكيه واضعــة يدهــا علــى ضلعهــا!
 

كما يقول برقعي في رثاء علي الأكبر وعلى لسان الإمام الحسين (ع):
«با فغان پسرم وا پسرم مى آيد
باز هم عطر گل ياس به گيسو داری

ولى اين بار چرا دست به پهلو داری؟
كربلا كوچه ندارد همه جايش دشت است
ياس در ياس مگر مادر من برگشته است؟ »


استمع! تأتي أختي من جانب الخيام

وهى تعول يا بني يا بني
مـرة أخـری أشـم عبـق الياسـمين مـن ظفيرتها

لكنّها لمـاذا وضعـت يدها على ضلعها؟
إن كربلاء كلهـا وادي لا أزقـة لها

تمثلـت الياسـمين فيهـا، تـری هـل عـادت
أمـى مـن جديـد؟ [9]


        هكذا اسـتدعى الشّـاعر صـورة الزّهراء(ع) الحزينة عبـر تمثيل حالة زينب(ع) عندما تشـهد مأسـاة استشـهاد علي الأكبر وولديها في واقعة عاشـوراءيقــول فــي قصيــدة أخــری تمــدح زينب (ع) ولطالمــا يمــزج الشــاعر مضمــون الرثــاء بالمــدح وتتمحــور واقعــة عاشــوراء وذكــر بطولتهــا فــي الغرضيــن.
«آمدی تا كه فقط زينت مولا باشى
تا پس از فاطمه صديقه صغری باشى
آمدی شمس وقمر پيش تو سو سو بزنند
تا كه مردان جهان پيش تو زانو بزنند
چشم وا كردی ودنيای على زيبا شد
باز تكرار همان سوره ی «اعطينا» شد
عشق عالم به تو از بوسه مكرر مىگفت
به گمانم به تو آرام پيمبر مى گفت:
بى تو دنيای من از شور وشرر خالى بود
جای تو زير عبايم چقدر خالى بود»


أتيت لتكوني زينب (زينة أبيك) مولاي علي

وأن تصبحي فاطمة ثانية يا زينب
لمّا ولدت أصبح ضوء الشمس والقمر ضئيلاً

حتى خضع رجال العالم بين يديك
يا زينب
عندمــا وعيــت علــى الدنيــا

 صــارت الدنيــا جميلــة لعلــي
وتكررت سورة أعطينا من جديد

أظن أنّ الرسول قد همس في أذنيك
بـأن الدنيـا لا جـدوی منهـا دونـك يـازينـب وكان مكانـك خاليـا تحت الكسـاء يـا زينب
تقديم الشهداء فداء للحسين (ع) ونهضته الخالدة


        اهتـم الشّـاعر الإيرانـي بتضحيـة السـيّدة زينب(ع) فـي حادثـة الطـف، علاوة علـى حضورهـا المميّـز فـي كل المأسـاة، ومواكبـة الإمام ومواسـات أهل بيـت النبوة. إذ أشـاروا إلـى صـورة تقديـم الشـهداء لاسيّما ولديهـا فـي الواقعة. يقول براتـى پور على لسـان زينـب(ع) وهـي تعتـز بمـا تقـدم فـداء لأهـداف أخيهـا:
«من زينبم كه تا به سر نى سر تو ديد
در حسـرت نگاه توآهى كشـيده ام
ريزم به خاک پای تو ای آفتاب عشق

گلهای داغ را كه به جان پروريدهام»


أنـا زينـب التـي تحسّـرت علـى نظـرة منك وتنهـدت عندمـا رأت رأسـك مرفوعاً علـى القناة
أنـا مـن أفـدي زهرتـي حياتـي وثمرتـي فـؤادي لمقـدم ترابـك يـا شـمس المحبـة والعشـق [10]

        كمـا نلاحـظ أنّ الشـّاعر برقعـي يرسـم صـورة تضحيـة عقيلة بني هاشـم، ضحّت بابنيهـا فـي سـبيل الثّـورة وأهدافهـا الرسـالية عبـر منظومـة شـعرية تدعـى سـهميها الأخيريـن:
«قامـت كمـان كنـد كـه دوتـا تيـر آخـرش يـک دم سـپر شـوند بـرای بـرادرش خـون عقـاب در جگـر شيرشـان پـر اسـت از نسـل جعفرنـد وعلـى ايـن دو لشـكرش...
واحيرتا كه اين دو جوانان زينبند؟ يا ايستاده تيغ دو سر در برابرش
بـا جـان ودل دو پـاره جگـر وقـف مـى كنـد يـک پـاره جـای خويـش ويكـى جـای همسرش»
تقوس قامتها كي تقدم سهميها الأخيرين / درعاً ووقاية لأخيها
تمتلــئ قلوبهــم بــدم النسور الشــجاعة/ وهما مــن نســل جعفر وعلــي قــد أقبلا
كجيشــين تجــاه الأعــداء
واحيرتاه! هل هما بطلا زينب؟/ أم أنهما مثل سيفين بين يدي زينب؟
تقدم فلذتيها فداء للحسين/ فواحداً بدلا منها وآخر هدية من زوجها[11]

 

هـذه هـي صـورة تضحيـة زينب (ع) والشـاعر يجمـع بيـن الحـزن والشـجاعة
عندها، وأنهـا كيـف تتحمـل المصائـب وألـم فقـد ولديهـا دون أن تحـول القضيـة وقوفهـا وثباتهـا فـي الدفـاع عـن رسـالة الحسـين(ع)، وهـذا خيـر دليـل علـى إتبـاع الولاية. يواصــل برقعــي منظومتــه بوصــف هــذه الصخــرة الصماء التــى لا تحركهــا العواصــف حيــث يقــول:


«چون تكيه گاه اهل حرم بود وكوه صبر
چشمش گدازه ريخت ولى زير معجرش
زينـب به پيشـواز شـهيدان خود نرفت
تـا كـه خـدا نكـرده مبادا برادرش...»

 

  لأنّهـا كانـت ملجـأ وملاذاً آمنـا لأهـل الحـرم وجبـل الصبـر/ لهـذا ذرفـت الدمـوع الداميـة تحـت حجابها. زينب لم تذهب لإستقبال جثمان شهيديها/ كى لا يظن أخوها بأنها...[12]

 

        إنّ الشّـاعر يلمّـح إلـى مـدی صبـر زينـب(ع) مـن ناحية، ومـدی حبّهـا لأخيهـا واحترامهـا لـه مشـيراً إلـى عـدم اسـتقبالها لولديهـا، تعظيمـاً للمصيبـة التـي حلّـت بهـم جميعـا..

«زينب همان كه زينت بابای خويش بود
در كربلا شدند پسرهاش زيورش»

زينب هى التي كانت زينة أبيها/ أصبح أولادها زينة لها [13]

 

مابعد عاشوراء والحفاظ على بقية أهل بيت المصطفى

        إنّ الســيّدة زينب(ع) صاحبــة المواقــف الصّعبــة والعظيمة، لأنّهــا تولّت أمــر مـن بقـى مـن آل البيـت عليهـم السلام، وهي بذلـك تكـون جبـل الصّبـر وقـدوة لـكل النسـاء فـي العالـم علـى مـر العصـور. ولا يخلـو الشّـعر الفارسـي المعاصـر مـن هـذه الصّـور لمـا يمثّـل زينـب(ع)  أمّاً حنونـاً وأختـاً مسـوؤلة وعمـة عطوفـة، وهـي تظـل حزينـةيشـير الشـاعر علي رضـا قـزوة إلـى غربـة زينب(ع) وحزنهـا علـى الشـهداء وهـى تتحمـل المصائـب لوحدهـا:

«تنها چه كند با غم شان زينب

راس شهدا وای، غريو اسرا، های.
بر محمل اشتر سر خود كوبيد زينب

 آزرد بكوبم سر خودرا به كجا؟ های»

 

مــاذا عليهــا إذ تــری رؤوس الشــهداء وصــراخ الأطفــال وتتحمــل غمــة الاســراء لوحدهــا
ولما هي تضرب على رأسها ماذا علي/ اين اضرب رأسي من شدة ألمها[14]


        كمـا رسـم «براتـى پـور» حزنهـا بعـد احتـراق الخيـام وأن زينـب(ع) هـى الحزينـه الوحيدة:

«كسى در آن وادی غم جز زينب محزون نبود / تا برون آرد ورا از خيمه های سوخته

از ميان شعله های مرگ چون آيد برون اهل بيت مصطفى از خيمه های سوخته»

 

هـى وحدهـا ظلـت حزينـة فـي وادي الهمـوم / كـى تنقـذ الجثمـان مـن الخيـام المحروقة
عندمــا أخرجــت آل بيــت المصطفــى مــن تحــت نيــران البــاء الملتهبــة فــي الخيــام [15]


        يتمثّـل حـزن السـيدة زينـب(ع) بعـد واقعـة كربلاء خاصّـة عصـر عاشـوراء فـي شعر السـيّد رضـا مؤيـد كمـا يلـى:
«ماجرای كربلا شرح بای زينب است عصر عاشورا شروع كربلا زينب است»
إن مأساة كربلاء هي شرح لبلاء زينب/ وعصر عاشوراء بداية لبلائها[16]


        إنّ الشـعراء الإيرانييـن كثيراً مـا أشـاروا إلـى مـا عبّـرت السـيّدة زينب(ع) عـن مشهد كربلاء بقولهـا الشـهير «مـا رأيـت إلا جميـلاً». 

«كرب وبلا، تجسم زيبايى خداست زينب هنوز گرم تماشای كربلاست»

إن الكـرب والبلاء تجسـيد للجمـال الإلهي/ ما زالـت زينـب غارقـة فـي مشـهد كربلاء.

 

النتيجة

        توصـّـل البحــث مــن خـلال تســليط الضــوء علــى تجــارب بعــض الشــعراء الإيرانييــن المعاصريــن ودراســة نمــاذج منهــا إلــى مايلــي:

         ظلّ الشـعر الفارسـي المعاصر بعد الثورة الإسلامية متأثراً بالأحداث التاريخية والقضايا السياسية المعاصرةوأصبــح الشــعر الملتزم الــذي يتضمــن معالجــة القيــم الإسلامية والثوريــة لا يخلـو مـن الشـعر الحسـيني ودراسـة قضيـة النهضـة الحسـينية والشـخصيات التـي لعبـت دوراً فاعلاً فـي إنجـاح ثـورة الامـام الحسـين (ع).
        ظلّــت عقيلــة بنــي هاشــم رمــزاً للصمــود والمقاومــة والــذود عــن الإمــام الحســين(ع) ونهضته فــي الشعر الفارســي حيــث أننــا لا نجــد مضموناً شــعرياً يتضمـن حادثـة كربلاء وثـورة الحسـين(ع) إلا أن يكـون للحـوراء زينب (ع) صـدی وذكــراً جميلاً يحــاول تصويــر دورهــا المميّــز بشــكل دقيــق وواضــح.
        إنّ شـخصيّة زينب(ع) الفـذّة والمتميّزة مصـدر إلهـام للشـعراء المعاصريـن بما فيهـا مـن الكبرياء والعـزّة والإبـاء. إذ حاولـوا تصوير تصدّيها إلى حمات التشـويه الإعلامــي مــن قبــل الطاغيــة وبــكل شــموخ وصبــر قلّ نظيــره إن الشــاعر الإيرانــي المعاصـر يتحـدّث عـن مكانـة السـيدة زينـب (ع) ودورهـا الرسـالي حتـى عندمـا يمـدح هـذه البطلـة العظيمـة، بعبـارة أخـری إن واقعـة عاشـوراء جـزء لا يتجـزأ مـن الأشـعار التي تنظـم فـي زينـب(ع)  سـواء أكانـت فـي رثائهـا أوفـى مدحهـا ووصـف محامدهـا.

 

[1] سنگری، 1392ه.ش، ص 112.

[2] سنگری، 1392 ه.ش، ص112.

[3] محمدرضا، ياسري، من شعراء الرثاء. هو شاعر ملتزم وشعبي وذو احساس مرهف وذوق سليم ومن مواليد 1312 ه.ش بطهران. له آثار شعرية متعددة. ص137.

[4] نصر الله مرداني من مواليد 1326 ه.ش في مدينة كازرون وتوفي 1382 ه.ش في كربلاء. يعتبر من الشخصيات الخالدة في الأدب.

[5] مرداني، نصر الله، چهارده نور ازلي (نشر شاهد، 1382، ص137)

[6] من مواليد 1322 ه.ش في طهران. له نشاطات أدبية في وزارة الثقافة. له عدة دواوين في موضوعات أدب المقاومة والدفاع المقدس والشعر الحسيني.

[7] براتي پور، عباس، دل ودريا، سوره مهر، ط 1388، 2 هص 165.

[8] برقعي، حميد رضا، طوفان واژها (ناشر) فصل 5، 1389 ص34.

[9] برقعي، رقعة، ناشر، فصل5، 1392 ص 67.

[10] براتي پور، دل دريا، 1388 ه.ش، ص35.

[11] برقعي، حميدرضا، طوفان واژها، ناشر فصل 1389، 5، ص 32

[12] برقعي، حميد رضا، طوفان واژها، ص33

[13] ن.م، ص34

[14] قزوة، علي رضا، انگشتري سوم خاتم، ط 10، ص34

[15] براتي پور، دل ودريا، ص 31

[16] مؤيد، ص 642

 

التعليقات